1.2K انتفت من بين الدروبِ دروبٌ،وانكمش الحبُّ،وانطوى القدرُ بين طياتِ الزمان. ارتعش الأنينُ،وانتفضت الدموعُ في المقلتين،حنينٌ مؤلمٌ لزمنِ الغابرين،حنينٌ لبساطةِ المكانودفءِ الحالمين. عربدةٌ بين أضلاعي،ومعركةٌ بين إنسانٍوشبهِ إنسان. اندمجت السماءُ،وانعجنت بين زفرةِ الروحوتلابيبِ جسدٍ إلهيٍّتجره الدنيا في نفقِ الحياة. انخدش النورُ الذي يفيض بين أصابعي،يرنو إلى الحرية والانعتاقمن جسدِ الظلماتودناءةِ من هو بين الألفِ والنون. أقتل في نفسي كلَّ الذي أحتقرهلتعرف روحي السلام،وتعيش كشعاعٍيخترق المكانَ والزمان. ارتحلت كلُّ دروبي،وانتفت كلُّ سكراتِ الحياة،وبات الجسدُ صدئًالا يريد الانزياح،لا يريد أن يزيل كلَّ شوائبِ الموجوداتودَمَلَ الكلمات. كلماتٌ تنسجها حروفٌعاريةٌ من الإحساس،تتراقص بين أحضانِ العهروالبؤسِوسقوطِ الذات. سقطاتٌ بين ساقطات،بين السجودِ والمجون،بين الذهابِ والرجوع،بين كلِّ محظورٍومرغوب. وبين فخذي الخطيئةِماتت الحقيقة،وانبثق منها كذبٌيقتل الحياةَبعد ليلةٍ غيرت كلَّ المسارات،وضاع بها النورُفي دروبِ الظلمات. ينتظر الصباحُشروقَ الشمسليعلن عن وجهِ الحقيقةوالقدرِ المحتوم،قدرٍ غيرتْه ليلةٌبين أحضانِ جسدٍ متعفنٍوقراءةٍ في تمايلِ أجسادِ الراقصات. هو كمزيجٍ بين الروح والجسد،بين السماءِ والأرض،بين العلوِّ والسقوط،هي روحٌ تسمو بنورهاأو جسدٌ حقيقتُه من تراب. اليوم فتحتُ حقيبةَ السفر،وضعتُ أغراضًاوكلَّ ما أحتاجه في الطريقِ الطويلالمفخخِ بالحفر…دروبًا جانبيةًأتوه فيها عند أولِ منعرجٍ خطر. وضعتُ في حقيبتي ألعابَ الطفولة،وعطرَ أمي،ورائحةً من عرقِ أبي،وضعتُ الكتابَوبعضًا من أشعاري،وصورًا لورداتٍ كنتُ أرعاها،وحملتُ دعاءَ أميوقليلًا من الأمل،ثم واصلتُ طريقيممسكًا بحقيبتي،أسير في الظلاموأمشي في النور،أتأرجح بين الوصلِ والهجرحتى أكمل هذا الضجر. أشرقت وجنتاها يومًا،والتَمست الشمسُ قبسًا من نورهالتضيء الدنيا بحسنها. الصباحُ يشرق مع رمشها،والعصافيرُ تغرد مع شفتيها،وخريرُ المياهيعزف بين الجداولسيمفونيةَ عشقِ المحبين،وينساب بين خصلاتِ شعرهافي رقصةِ فالس،متمايلًا مع خصرها الجميل. هي أنثى في جسدِ الحياة،تعانق نسماتِ الحب،وتنهل من نبعِ الهوىبين أحضانِ القدر،تهدي نفحاته للحبيب الأول. لكنها أظلمتوقتلـت كلَّ جميل،رمت بأشعاري،اغتصبت براءتي،وباعت كلَّ أسراري. هذه الحياة تعودلتشيح بوجههاوتعزف لحنَ الوجعِ والأنين،غررت بي تلك الحسناء،وأنزلتني لطينِ جسدي،هوت بنورِ روحيإلى حفرةِ الوجود،ونفثت سمها في سمائي،ونقضت كلَّ الوعود. انتفت من بين الدروبِ دروبٌ،سرتُ في دربي،وحملتُ حملي منهكًا،سمعتُ صوتًا تحت أقدامي يقول: أيها العابرون على جسدي،أيها السائرون نحو الحقيقة،كلُّ الدروب سراب،وكلُّ الحروب خراب،وعند نقطةِ الصفرستتحرر من القيود،وجسدك سيصبحبين السرابِ والتراب. الحياةُ طريقٌ عابرة،والنهاياتُ بدايات،فلا تحمل في حقيبةِ سفركإلا البدايات. وانطلق،وعانق دربك،وانثر على جانبيه الورود،وعطر طريقك بالحِلموالأحلام. عانق بالحب كلَّ الفراشات،فبالحب تندمج الأرواح،وينبثق منها نورُ الوجود،فيتجلى به سحرُ الحياة. وتُبعث من بين الدروبِ دروبٌ،وتُخلق البداياتُ من النهايات،والنورُ من الظلمات. وتولد الأحلام،والحب،والجمال،ليرتقي الإنسانُإلى مرتبةِ الإنسان. الشاعر محمد هادي عون