103 حدثتني صديقة تعيش في ألمانيا، عادت إلى بلدتنا الصغيرة الهادئة خلال العطلة الصيفية… وككل سنة… كنا نجتمع في صحن بيتي الفسيح نتبادل الملح والطرائف… وتحدثني عن الحياة في المهجر… ونتسامر، فيأخذنا الحديث إلى مواضيع شتى عن صعوبات الحياة هناك… وسعي الجميع إلى الكسب والعطاء دون كلل ولا ملل… واعتماد الشباب على أنفسهم منذ بلوغ سن الرشد. قالت قمر:“ابنتي شيماء تدرس في كلية من الكليات قريبا من منطقة سكننا، حدثتني عن صديقة لها تعتبر مثالا قيما على الاعتماد على النفس فرفيقتها تدرس معها وهي محل للإعجاب من الجميع، مجتهدة في دراستها… جميلة معتدة بنفسها… قالت شيماء أنها تعيش بمفردها وتشتغل بعد المحاضرات في محل لبيع الهواتف الذكية… فشيماء تراها في المحل، بعد الظهر… ولم تسألها عن الأمر خوفا من إحراجها… وإذا رأتها في شغلها تغض الطرف… خوفا من أن تشعرها بالخجل… وبذلك يشوب العلاقة بينهما فتور. وذات يوم لاحظت ابنتي أمرا غريبا فأثناء مرورها أمام المحل، لاحظت أن صديقتها قد غيرت تسريحة شعرها، فصارت أقصر وأجمل…لكنها في اليوم الموالي، وجدتها بتسريحتها الأولى، وشعرها الناعم الفاحم السواد يتدلى على كتفيها… حاولت أن تتغاضى على ما رأته… لكن حب الاطلاع غلبها… والدهشة كانت دافعا لسؤالها، فاقتربت منها وسألتها بكل لطف، في شكل مزحة: “صديقتي هل تحضرين للجامعة بشعر مستعار؟”ضحكت البنت عاليا وقالت وهي تجذب خصلاته بقوة: “أبدا هذا شعري الطبيعي، انظري إنه لا يسقط…”سكتت شيماء قليلا… وقد قرأت في عيني ديما استفسارا عن السبب الذي جعلها تقول أنّ شعرها مستعار…وعلى الفور قالت: “رأيتك بالأمس أثناء عودتي إلى البيت في محل الهواتف، وشعرك قصير والتسريحة جميلة جدا..”قاطعتها ديما: “أعيدي ما قلت بمزيد الشرح والتفصيل أرجوك.”أحست شيماء بالخجل والندم ظانّة أن صديقتها غضبت من تدخلها في أمورها الخاصة، فاعتذرت قائلة: “كنت أمازحك، والله مجرد مزاح…”قالت بإلحاح: “أرجوك أعيدي أين رأيتني بتسريحتي الجديدة؟”ردت شيماء: “أنا أعلم أنك تعملين بعد الظهر في محل لبيع الهواتف، وأكبر فيك ذلك وأقدر…”ديما تقاطعها: أرجوك دليني على هذا المحل فورا…”تلعثمت ابنتي وفرت منها الكلمات… واستغربت وديما تحثها على الانطلاق لرؤية المكان… دون أن توضح لها شيئا… وسارتا في صمت حتى بلغنا المحل…دفعتا الباب بكل هدوء، وجالتا بناظريهما في أرجائه، فإذا صوت ينبعث من بين صفوف الواجهات… ديما… أختي ديما…وتهرع إليها ذات التسريحة الجميلة، وتقول أنا أختك ريما… جئت من فرنسا منذ سنتين… وتهت في المدينة أبحث عنك وأسأل كل من يعترض سبيلي… وأدعوهم للبحث معي عنك توأمي العزيزة…” ما إن سمعت التفاصيل حتى طلبت من جارتي قمر أن تصلني بابنتها لتمكنني من الاتصال بهما… شكرتها وأنا اقول والدموع تجعل صوتي متقطعا: “حمدا لله أنني وجدت اليوم خيطا كافيا للتعرف على ابنتي أخي المتوفي في باريس، إذ افترق هو وزوجته الألمانية منذ سنوات… وقمنا بالمستحيل للتعرف على ديما وريما فقد رحلت الأم إلى ألمانيا ومعها ديما… وبقيت معه ريما… وبعد موته ذهبت للبحث عن أختها وها هي تجدها… حمدا لله… حمدا لله.” الكاتبة فاطمة الزهراء بناني