182 في ذلك الصباح، كنتُ أساعد أمي في المطبخ حين انزلقت السكين من بين أصابعي، وجرحت يدي… أصبعي تحديدًا. سارعتُ إلى لفّه بقطعة من الشاش الأبيض، ولم أكن أعرف أن القدر يهيئ لي لحظة أخرى، أكثر وقعًا على القلب من وخز الجرح نفسه.في المساء جاء الأستاذ فتحي لزيارتنا. كنت أعلم أنه سيغادر بعد أيام إلى اليمن ليكمل إعارة التدريس هناك، ويترك خلفه مساحة فارغة لم أكن قادرة على مواجهتها.عندما رآني، توقّف قليلًا، وكأن شيئًا في يدي استوقف قلبه قبل عينيه. سألني بلهجة ممتلئة بالخوف والشفقة: – ما الذي حدث؟ ابتسمتُ ابتسامة تساوي نصف جرح ونصف حنين، وجلست أمامه وقلت بنبرة حاولتُ أن أجعلها مطمئنة: – لا تقلق… جرح صغير، سيشفى مع الأيام. لكنني في داخلي كنت أقول ما عجز لساني عنه: هناك جروح يا أستاذ… لا يكفيها العمر كله كي تلتئم. ساد الصمت بيننا طويلًا، صمت يشبه مساحة لا يجرؤ أحدنا على عبورها. نظراته تتكلم، ونظراتي تتلعثم، حتى قطع أبي هذا الهدوء بدخوله لاستقبال الضيف… وكأن العالم استعجل إغلاق صفحة لم تبدأ.ومنذ ذلك اليوم، كلما سمعتُ أغنية ذكري “ما فيني شي” أشعر وكأنها كُتبت من أجلي، كأنها صوت خافت يأتي من عمق الجرح… ذاك الجرح الذي لم يكن في أصبعي فقط، بل في مكان لا يُضمَّد بالشاش ولا بالوقت. الروائية ھدى حجاجي أحمد