الصفحة الرئيسية القصيدة العمودية عمر الشهباني : قصيد بعنوان “صعاليك المدينة وصعاليك البوادي”

عمر الشهباني : قصيد بعنوان “صعاليك المدينة وصعاليك البوادي”

225 مشاهدات 2 دقائق اقرأ

قُلْتُ يَوْمًا كَيْفَ عَاشَ النَّاسُ فِي تِلْكَ النَّوَادِي
عَنْ صَعَــالِيكِ الْمَدِينَةْ عَنْ صَعَالِيكِ الْبَوَادِي؟

إِذْ سَمِعْنَا أَنَّ رَهْطَا فِي زَمَــــانِي قَدْ تَنَــــادُوا
فِي حَوَانِيتِ الْمَدِينَةْ وَاسْتَجَــــــــابُوا لِلتَّنَادِي

قَدْ تَنَادُوا يَجْمَعُــــونَ الْحَرْفَ لَحْنًا فِي دُجَاهُمْ
يَرْشُفُــونَ الْأُنْسَ فِي “بَارَاتِهِمْ” رُغْمَ الْعَوَادِي

يَبْتَنُـــــــونَ الَمَجْدَ مِن أَوْجَاعَهُمَ فِي كُلِّ كَأْسٍ
يجْدُبُــــــونَ اللَّيْلَ وَجْدًا كَالْمَجَامِيرِ الصَّوَادِي

يَحْرِقُــــــونَ الْحَرْفَ فِي نِيرَانِهِمْ نَثْرًا وَشِعْرًا
يَنْفُثُــــــــونَ الْمَعْنَى مِنْ أَفْوَاهِهِمْ مِثْلَ الرَّمَادِ

وَابْتَنَــــــــوْهَا مِنَ نِفَايَاتِ السَّجَائِرِ سَـابِحَاتٍ
فِي فَضَـاءٍ ضَيِّقِ الْأَطْرَافِ فِي عُمْقِ النَّوَادِي

سَبَّحُـــــــوا حَمْدًا كَثِيرًا لِلْكُــــــــرُومِ الدَّالِيَاتِ
لِارْتِفَــــــــاعِ النَّهْـدِ لِلْأَرْدَافِ لِلَّحْنِ الْمُعَــــــادِ

لِلْعُيُونِ السُّــــــودِ لِلْأَكْتَــــــــافِ لِلْقَدِّ الرَّشِيقِ
لِلْجُفُــونِ الْكُحْلِ كَمْ قَــــامَتْ مَعَانِيهِمْ شَوَادِي

سُجَّدًا وَالْجِيـــــــدُ مَرْمَـى هَامِهِمْ وِرْدًا مُرِيحًا
بَعْدَ طُــولِ الرَّكْعِ وَالتَّسْبِيـــحِ وَالْجَهْدِ الْمُشَاِد

بَعْدَ أَنْ أَقْوَتْ قُوَاهُمْ فِـي جِهَــــــادِ اللَّيْلِ حَلَّتْ
عِنْدَهُمْ رُؤْيَا الشُّهُودِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ هَادِي

وَاسْتَرَاحَ السـَّــــالِكُ الْمَضْنِيُّ مَنْهُوكًا بِكَشْفٍ
بَعْدَ طُــــــــولِ الشَّدْوِ لِلْمَحْبُـــوبِ يَرْنُو لِلرُّقَادِ

أَسْلَمُـــــــوا جَفْنًا لِأَحْلاَمٍ يَطُــــــولُ اللَّيْلُ فِيهَا
قَدْ يُطِيــــــــلُ الْحُلْمُ لَيْلاً كَـــــانَ بَدْءً بِالسُّهَادِ

عِنْدَمَا أَضْحَتْ عَلَيْهِمْ فِــــي غَدٍ شَمْسُ النَّهَارِ
فُتِّحَتْ أَجْفَــــانُهُمْ مِنْ بَعْــــدِ وَجْدٍ لِلْمَعَــــــــادِ

أَعْلَنُوا رَمْزًا جَدِيــدا لِانْكِشَـــــــافِ الضُّرِّ عَنَّا
لِانْزِيَــــــاحِ الذُّلِّ عَنْ هَـــــــامَاتِنَا مِثْلَ الرُّوَادِ

أَعْلَنُـــــوا فِي رَجْعِ صَوْتٍ وَاحِدٍ ”أَنْ قَدْ أَتَيْنَا
مِنْ حَوَانِيتِ الصَّعَـــــــالِيكِ النَّدَامَــى بِالرَّشَادِ

أتركوا عنَّا عروضًا من زمـــانٍ قدْ تغاضتْ
ســـــــَاحُهُ الْألْحــانُ، قدْ آلتْ عُيــــــونٌ للنَّفادِ

دعْوةٌ شـــــــاعَتْ وكَمْ من بُرْدَةٍ لاَقَتْ وِشَاحًا
فِي زمـــــــان الرَّكْعِ تَعْلُــــو رَايَةً نَحْوَ الْحِيَادِ

في زمـــــانِ الضَّحْلِ يَجْتاحُ الْمعانِي كلُّ جِرْذٍ
كَالْتِمَــــاسِ الجُعْلِ في صحرائنا رَوْثَ الجَرَادِ

مُهملاً قَمْحًــا وَتَمْرًا كَالثُّريـَّــــا آنَ صَحْـــــــوٍ
بَـــــــاحِثًا فِــي كُلِّ نَجْدٍ عَنْ أَزَاهِيــــــرِ الْقَتَادِ

زهرةُ الصَّبَّارِ قدْ بَــــــاتتْ لَديْهمْ رمْزَ خِصْبٍ
لَفْظَةُ الْإِفْصَـــــاحِ أَضْحَتْ عِنْدَهُمْ مِثْلَ الْوِهَادِ

قـال منهم من أسَخْتُ السَّمْعَ يومًا وَهْوَ يُلْقِي
يَجْعَلُ “الأَفْخَاذَ” و”الأَثْدَاءَ” قَوْسًا لِلْجِهَادِ

قال يومًا في سِجَــــــــالِ الْحُبِّ قَوْلاً لاَ يُرَوِّي
رَمْزُهُ “قِطٌّ” وَ”كُــــــــورَاتٌ” وَلَحْنٌ كَالْحِدَادِ

ســــــــاحُهم في الغَزْوِ أرْدافٌ وَنَهْدٌ لِلصَّبَايَا
يَمْتَطُــــــــونَ الْعِشْقَ سَيْفًا والْغَوَانِي كَالْجِيَادِ

إنَّ “بَشَّــــارًا” إِمَامٌ و”النَّوَاسِي” قَـامَ يدْعُو
يا ‘جَرِيــــرُ’، أطْنَبَ العُشَّاقُ بَعْدِي فِي الْفَسَادِ

أطنبُـــوا حتَّى تَلَهَّوْا عن جُذُورِ الْعِشْقِ سَهْوًا
أو تَلَهَّوْا عن أريجِ النّـــــــُورِ في نفْخِ الرَّمَادِ

ظنَّ للصّعلوكْ شَــــــــاراتٍ أَبَانَتْ عَنْ خُمُولٍ
“عرْوَةٌ ” كَـــــــــانت دماه كالبراكين الشِّدَادِ

“عروةُ” الصعلـــــوكُ كانت عينُهُ فِي كلِّ حَيٍّ
تَرْتَعِي من أجْل طفلٍ أَوْ عَجُــــوزٍ لاَ تُنَــــادِي

كان صعْلــــــــوكًا ولكنْ يَأْمُرِ الْأَصْحَابَ دَوْمًا
بِالْتِزَامِ الطُّهْرِ قَوْلًا وَالْتِمَــــــاسُ الْحقِّ حَادِي

عِفَّةُ الصعلــــــــوكِ كانت قَوْسُهُ فِي كلِّ غَزْوٍ
فَالْفَتَــى دَوْمًا يُلَاقِــــــــي شَكْلَهُ في كلِّ وَادِي

“عروةُ ابنُ الْوردِ”لو عادتْ إليه رُوحُهُ مِنْ
بعد موْتٍ لاسْتَخَفَّ الْقَوْمَ مِنَ فَرْطِ الْجَمَـــــادِ

لو رآهُمْ “عروةٌ” في لَهْوِهِمْ كَمْ كَـــانَ يَبْكِي
من ضيــاعِ العَهْدِ من تَفْرِيطِهِمْ فِي حَقِ ضَادِ

أوْ لَيَدْعُــــو “عنتره” من لَحْدِ قبْرٍ مِنْ جَدِيدٍ
يَشْهَدُ الْأحْفَـــادَ أَرْخُــــــــوا بَعْدَ فَخْرٍ لِلْكَسَـادِ

“امرئ ألقيس”الذي أَعْيَــــاهُ سُكْرٌ وَالْغَوَانِي
لَوْ أَتَـــى لَاسْتَهْجَنَ الْإِسْرَافَ مِنْهُمْ والتَّمَادِي

لو تنـادى،عروة،والشّنفرى،وابن الصحاري
هم صعــــــاليك البوادي لاستخفوا كلَّ شَادِي

أعلنـــوا إضراب حبٍّ أو تَــــــــدَانٍ مِنْ حبيبٍ
مَارَنَتْ “عَبْلٌ”لِعَنْتَرْ”أَوْ“زُهَيْرٌ”مِنْ “سَعَادِ”

هذا خَلْفٌ بَعْدَ عَيْنٍ قَدْ تَلاَشَــــــــــى مِثْلَ حُلْمٍ
بــــــــَاتَ صُعلـــوكًا ذَمِيمًا عَلَّ أَطْرَافَ الْفُؤَادِ

قُبْحُ خُلْقٍ سُــــــوءُ خَلْقٍ عَرْبَدَاتُ اللَّيْلِ أَذْوَتْ
كُلَّ لَمْحٍ مِنْ بَرِيـــــــقِ الْعَيْنِ أَوْ حَزْمِ الأيادي

طمئن الأحبــــاب عن فجر قريب جاء صحْوًا
من دخـــــانِ الْأَمْسِ من أَضْغَاثِهِمْ عِنْدَ الرُّقَادِ

لا تقل ماتت معـــاني الشعر في رمز كسِيــحٍ
لاَ يُضِيرُ الصَّقْرَ تَحْلِيــــــقُ الْجَرَاِد فِـي الْبِلاَدِ

لا يضير الأَصْلَ أَمْصَــــالٌ وَلَوْ دَامَتْ طَــوِيلاً
لا يضيــــــــرُ النَّفْخُ بُنْيَــــــــانًا تَرَقَّـى بِالْعِمَادِ

هذه الأوحـــالُ ما عـــادتِ تُغَطِّي أرْضَ زَرْعٍ
فَالْبَـــوَادِي تُنْبِتُ الْأَزْهَــارَ من بعْدِ الْحَصَـــادِ

فَالْقَوَافِـي جَفَّ نَبْعُ الِحْبرِ عَنْهَا فِـي السَّوَاقِي
جـــاَءَتِ الْأَنْهَـــارُ صُبْحًا مِنْ بُحَيْرَاتِ الْمـِدَادِ

فَاسْتَرَدَّ الشِّعْـــرُ أَوْزَانــًا وَلَحْنًا مِنْ جَدِيـــــــدٍ
واستقـــام الْقَوْلُ فــِي أَسْمَـاعِنَـــا حُلْوَ الْمُرَادِ

الشاعر عمر الشهباني

  • شاعر وناقد تونسي
    أبو البيرق عمر الشهباني، شاعر وكاتب تونسي، وُلد يوم 2 ماي 1966 بقبلي الجنوبية في الجنوب التونسي. نشأ بين رمال الواحة ومناخ الصحراء، فتشرّب من بيئته روح الانتماء، وتدرّج في مساره التعليمي بين المدرسة الابتدائية بشارع الحبيب بورقيبة بقبلي والمعهد الفني، ليحصل على شهادة الباكالوريا شعبة الآداب سنة 1987. تنقّل بين تونس والمغرب في مساره الجامعي؛ درس الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس وصفاقس، ونال منها إجازة سنة 1996، كما درس بجامعة محمد الخامس بالرباط وحصل على إجازة في التصرف اختصاص الإدارة العامة من المدرسة الوطنية للإدارة العمومية، إلى جانب تدرّجه في دراسة القانون العام بالمرحلة الثالثة. زاول العمل الصحفي ككاتب ومحرر لوكالات أنباء وصحف تونسية، ورافق نشاطه الأدبي بانخراط واسع في الحياة الجمعياتية؛ من الكشافة التونسية حيث نال الشارة الخشبية سنة 1985، إلى الاتحاد العام التونسي للطلبة، وجمعية صوت نفزاوة التنموية، وغيرها من الإطارات التي أسهم في تأسيسها. أصدر سنة 1996 ديوانه الفريد المساجلات الشعرية (أجب الثورة يا علي...)، وهو عمل عربي متميّز جمع 23 سجالًا شعريًا في 2600 بيت عمودي بمشاركة أكثر من 40 شاعرًا من مختلف أرجاء الوطن العربي. إلى جانب ذلك نشر مقالات وقصائد في الصحف والمجلات التونسية، منها مجلة الاتحاف. وما يزال يعمل على إصدار دواوين جديدة في مجالات اجتماعية وسياسية وثقافية وحضارية.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا

سجّل اسمك وإبداعك، وكن ضيفًا في محافلنا القادمة

ندعو الأدباء والشعراء وسائر المبدعين إلى أن يُضيئوا حضورهم بيننا بتسجيل أسمائهم وتعمير الاستمارة التالية، ثم النقر على زر «أرسل» ليكون اسمكم ضمن قائمة الدعوات إلى تظاهراتنا الثقافية القادمة — حيث يلتقي الإبداعُ بنبض الحياة، وتُصاغ الكلمةُ في فضاءٍ يليق بكم وبأحلامكم.