حين تصير الحياة تحت الركام، وتموت الأحلام قبل أن تولد، وتغدو السماء شاهدةً على كل هذا الظلم، لا يبقى للروح إلا أن تصرخ… صرخةَ الموت.
غَزَّةْ تُنادي والفُؤادُ مُمزَّقٌ،
والقهرُ يَنسِجُ من دَمِ الأهلِ رِدًى.
صَرَخَتْ جِراحُ النَّارِ في أحشائِها،
والدَّمعُ سالَ على العُيونِ مُفَجِّعَا.
نادَتْ بِصوتِ الجُرحِ: أينَ ملامِحِي؟
ماتَ الصَّباحُ وصَوتُهُ قد ضَيَّعَا
طِفْلٌ يُنادي في الدُّجى أمَّاً لهُ،
والقَصفُ يَنهَشُ حِلمَهُ المُتَرَفَّعَا.
والشَّيخُ واقفُ في الدّمارِ كأنَّهُ،
صَخرٌ تَحَمَّلَ ما يُفَجِّرُ مُروَعَا.
غَزَّةْ تُنادِي والعُيونُ مُطفَأَةٌ،
في صَمتِ عالَمِها الغَرِيبِ المُوجِعَا
ماذا جَنَتْ؟! حتَّى السَّحابُ تَفَجَّرَتْ،
فَوقَ الرُّضَّعِ، والمَدى تَفَزَّعَا!
كُفُّوا يَدًا تَحْمِلُ الوَيلاتِ لَنا،
واترُكوا طِفلاً بالحَياةِ مُتَمَتِّعَا.
غَزَّةُ ستَنهَضُ لو تَهَاوَى جِسرُها،
فالصَّبرُ في أهلِ الكِرامِ مُشَعشِعَا
صَرْخَتْ، ولكنْ لا مُجيبَ لِدَمعِها،
إلّا السَّماءُ ومَن لَها قد صَنَعَا
قَدْ نَامَ وَجْهُ الْعِيدِ فِي أَكْفَانِهِ،
وَالْجُرْحُ فَتَّحَ فِي الْقُلُوبِ مُوَجَّعَا.
يَا قَلْبَ أُمٍّ، هَلْ يَعُودُ رَضِيعُهَا؟!
أَمْ بَاتَ لَحْنًا فِي السَّمَاءِ مُوَدَّعَا؟
وَالْأَرْضُ ضَجَّتْ، لَا تُطِيقُ دُمُوعَهَا،
فَالْبَحْرُ مِنْ حُزْنِ الصِّغَارِ تَصَدَّعَا.
مَا عَادَ فِي الْأَنْبَاءِ غَيْرُ مَجَازِرٍ،
وَصُوَرُ قَهْرٍ بِالْيَدَيْنِ مُصَنَّعَا.
لَكِنْ بِصَبْرِ الْأُسْدِ تَنْهَضُ أُمَّةٌ،
تَنْسُجْ مِنَ الْجُرْحِ الْعَنِيدِ مَرْفَعَا.
في قلبِ هذا الليلِ، تبكي الأرضُ من وجَعِ البراءةِ المذبوحة، ويبكي معها التاريخُ والضميرُ الإنساني.
هُنا حيثُ الكلمةُ تُقتل، والحُلم يُصلب، يبقى صوتُ غزّة حيًّا، يعلو من بينِ الرّكام، كأنَّهُ الوعدُ الباقي، والعهدُ الذي لا ينكسر.