في ليلة صيفيّة مقمرة، بينما كنت أتجوّل في غابة كثيفة الأشجار، و كنت أتسلى بأكل حبّات دوار الشمس و في أذني سماعات هاتفي الجوال أستمتع بالاستماع إلى موسيقى هادئة و استنشاق الهواء العليل الممزوج بروائح ذكيّة لأشجار الغابة … و إذا برجلي اليمنى تلمس فانوسا سرعان ما خرج منه دخان أبيض كثيف يعلو إلى عنان السماء ، فتراجـعـت إلى الوراء و ركّـزت ببصرى على الدخان الذي بدأ في التقلص إلى أن ظهر عفريت من الجنّ أطلق ضحكة عالية مدويّـة أرعبتني، فوقعت على الأرض و نزعـت السماعتين من أذني و وضعت الهاتف في محفظة يدي، و إذا بالعفريت يبادرني بقوله : سيّدي و مولاي تمنى عليّ و أطلب ما تريد. فأنا خادمك وتحت أمرك. فقلت له متأتأ وقد اعتراني خـوف ودهشـة. أريد أن تجعل مـنّي ملكا. فقال: السمع والطاعة يا مولاي، أغمض عينك ولا تفتحهـما إلا عـند إشارتي، فامتثلت لأمره، وبعد بضع دقائق، أطلق ضحكة عالية وقال لي بصوت عال: افتح عينيك يا سـيّدي، ففـتحت عينـيّ، وإذا بي جالس على عرش الملك وعلى رأسي تاج ذهـبيّ مرصع بالأحجار الكريمة وفي يدي صولجان من الذهب الخالص وأمامي جمع من الوزراء والأعيان وبجانـبي امرأة آيـة في الجمال، علمت أنها زوجتي الملكة، وبجانبها إبني الأمير وابنتي الأميرة. فـمسحت القاعة بعـيـنيّ يمنة ويسرة وتفـحّصت في وجوه الحاضرين، وقلت للوزير الأكبر: كيف حال رعـيّتنا يا وزير؟
فقال: يدعون لكم يا مولاي بطول العمر ودوام الصحّـة والتوفيق والنّجـاح.
فقلت: بورك فيها من رعيّة مخلصة وفـيّة، وكيف حال خريجي جامعاتنا وكلياتنـا؟
قال الوزير: كل عام يـتخرّج من جامعاتنا وكليّاتنا ثلاثة آلاف إطار عال في مختلف الاختصاصات.
فقلت: وماذا عن تشغـيلهم؟
قال الوزير: سوق الشغل لا يستوعبهم كلّهم يا مولاي.
قلت: يا وزير التشغيل، أصدر أوامرك ليحال على التقاعـد المبكّـر كل الإطارات التي بلغت خمسون سنة ووظفوا كلّ شبابنا. وأنت يا وزير الشؤون الاجتماعية خصّصوا من صندوق الزواج منح للزواج الجماعي لكل شاب وفتاة بلغـوا سـنّ الزواج، وأصدر مرسوما للمتزوجين أن يتزوّجوا بثانية على حساب الدولة، لا بدّ أن نضع حدّا لعدد العانسات والآيسين. لا أريد أن تبقى فتاة أو امرأة بدون زواج.
الجميع: يهتفون: عاش الملك عاش الملك..
فقلت: وأنت يا وزير المالية، أصدر أوامرك ليقع سداد كلّ ديون المزارعيـن والصناعيين وكافة المواطـنين.
وزير الماليـة: السمع والطاعة يا مولاي.
قلت: وأنت يا وزير أملاك الدولة أصدر قرارا فوريّـا بمنح كل مولود بمملكـتـنـا على قطعة أرض مجانـيـة بمكان ولادته.
الجميع يهتفون: عاش الملك، عاش الملك.
قلت: يا وزير الشؤون الدينيّة، وفر من صندوق الزكاة مصاريف الحج على حسابنا لكلّ من بلغ الستون من عمره، وقوموا بختان كلّ الأطفال حديثي العهد بالولادة، وأنت يا وزير التربية والتّعليم تابعوا مسألة وجوب التّـعليم ومجانتيه لكلّ من بلغ سـنّ الدراسـة.
الوزيران: حاضر مولاي، السمع والطـاعة.
قلت: يا وزير الثقافة، أصدر أوامرك لبناء دور الشباب والثّـقافة في كل مدينة وفي كلّ قرية.
الوزير: حاضر سيّدي أمرك نافذ.
قلت: يا وزير العدل، أصدرت أمرا بالعفو التشريعي العام على كلّ المساجين، وقم بالتنسيق مع وزير الـتّـشغيل لتوفير الشغل لهم جميعا.
وأنت يا وزير الصحّـة، كيف حال مستشفياتنا؟
وزير الصحّـة: وصلتنا سيّدي من دولة صديقة تجهيزات ومعـدّات طـبّيـة حديثة. وقد وظفنا أربعة آلاف طبيب اختصاص ولله الحمد.
قلت: بورك فيكم وزرائي الأفاضل على كل ما تبذلونه من جهود محمودة لإسعاد مواطنينـا وتحقيق الازدهار لمملكتنـا.
الجميع: عاش الملك، عاش الملك، وعاشت مملكتنا.
قلت: أشكركم جميعا … وإنني أدعوكم جميعا لحضور مراسم زواج إبني الأمير سلطان وولي العهد على ابنة الوزير الأكبر يوم الخميس القادم. فـلـتقام مراسم الأفراح والمسرّات والليالي الملاح طيلة أسبوع كامل.
الجميع: عاش الملك ودامت أفراحه، عاش الأمير سلطان، عاش عاش عاش.
وبعد ساعة من هذا الحوار بيني وبين جموع الحاضرين، أغمض عـينيّ، وأفتحهما لأجد نفسي في الغابة من جديد، ففركت عـيني مليّـا وإذا بي أجد نفسي جالسا على كرسيّ خشبيّ وأمامي حفنة من قشور حبوب دوّار الشمس، فعدت إلى أكل ما تبقى منها وتذكّـرت أنه عليّ الاتصال بمكتب التّشغيل لأتابع مطلب حصولي على شغل، والتوجه في الغد إلى مكتب الكهرباء والغاز ومكتب استغلال وتوزيع المياه ومكتب الاتصالات لسداد فواتير استهلاك أسرتي طيلة الثلاثة أشهر الماضية. وتبخـرّت جميع أحلامي وعدت إلى واقعي وتقـبّله كما هو مـتمـنيّا أن يتحسّن حالي وحال ملايين من أبناء وطني العاطلين عن العمل والآيسين والعانسات والغارمين المثقلين بالديون…وقلت تـبّا لذلك الفانوس السحري وتبّـا لذلك العفريت من الجانّ الّذي جعلني أحلم بالحياة الكريمة بتلك المملكة الفاضلة التي يبدو لي أنّ زمانها ولى وانقضى مع من سبقونا، وليس لنا في زماننا الأغبر هذا سوى الرضى بحياة الذلّ والحرمان والفاقة والاحتياج والظلم.
بقلم رفيق بالرزاقة
أضف تعليق