هذا النص الشعري يحملُ مزيجًا من الوجد الصوفي والوجع العاطفي، حيث يصوغ الشاعر آلامه في هيئة قدّاس شعري، ويحوّل أنفاسه إلى تراتيل يُردّدها الناس. تتجلى فيه ثنائية المحبّة والعذاب، إذ يجعل المعشوقة سرًّا مُوجعًا وفضحًا جميلًا في آن، تقرأ خطاياه وتُشعل في روحه هشيم الهواجس. اللغة مشبعة بالصور الرمزية: الكنائس، الأجراس، بلقيس، الحراس، الأقواس… وكلها تؤسس لمناخٍ يجمع بين المقدّس والجرح الشخصي. وفي النهاية، يعترف الشاعر بأن الكتابة هي شاهدُهُ على الصبابة، وأنه القتيل الذي لا يموت صوته ما دامت كراسته تنطق... [نيابوليس [الثقافية]
نص القصيدة:
سأُعيدُ بالتنـهيد صمتَ الآسي
وأصوغ همسَ الشِّعرِ كَالقَدَّاسِ
وأُخيطُ أثواب القصيدة في فمي
كي يُنشدَ الناسون من أنفاسِي
وأنا كما عيسى حيال كنائس
أستــــقرئ اللاهوتَ في أجراس
هذي الـجميلةُ يستطيبُ لها الأسى
قد أبدعَتْ بالكــيِّ في إحساسي
قرأتْ جـميعَ قصـائدِي بتمـــعُّنٍ
حفظتْ معانيها كما الخَنَّاسِ
قـرأتْ معي أسـماءَ كــلِّ خطيئةٍ
بلقيسُ تروي السّرَّ في أعراسي
مهلا معذّبتي كشَفتِ أوانـسي
أشهدتِ عنٍّي أعــيُنَ الحرَّاس
أشعلتِ في روحي هشيم حصيدةٍ
أجلَسْتِنِي في صُحبةِ الوسواس
والآنَ أسألُ كـيفَ أكـــتُمُ لوعتي
أو كيف أشهرُ في الهوى إيناسي
كل الكــلام لهُ اختصار مواجع
ورسـمتُهُ بشـواهد الأقـــــــواس
قد يدركُ النـــّاعُونَ قـصَّةَ موتَتِي
لكنْ ستبقَى مِن حديثِ النَّاسِ
سأباركُ الآهات.. أُعلنُ موعدًا
للعفوِ عنكِ حبيبتي.. والناسي
إن الصبابة مثل ما عانيتُها
مثل الكتابة أشتكي.. وأقاسي
فمن الضحيَّةُ شاعري.. سأقولها:
إنِّي القتيلُ … وشاهـــدي كرَّاسي