الجزءالثاني من روايتي “ذكريات لينا”
لقراءة أجزاء الرواية اضغط هنا –> رواية ذكريات لينا
الجزء الثاني:
نزل من سيارة بيضاء رياضية فخمة، شاب أبيض البشرة ممتلئ الجسم بعض الشيء، يرفع يديه إلى السماء في سخط، يبتل هو الآخر ويلتصق قميصه الأبيض وتبانه بجسده.
يذهب نحو مقدمة السيارة ليتفقدها. يأتي سائق سيارة التاكسي مزمجرا:
تي علاه هكا خويا؟ ياخي متدلّش؟
-تو تاقف فوسط الطريق وزيد تتكلم؟ تي شو الضربة قد شنية يا رسول الله!
-وانا أغزر التيلاني كيفاه! تو أنا صانع نخدم على روحي تجي انت بلا عينين هكا تدخل فيّ وزيد مش عاجبك! أكاهو –مشيرا إليه بسبابته في ازدراء- آش مش يقلقكم إنتم تاخذو الكراهب متاع بابا وماما وتفشخو الكراهب متاع الزواولة الي تجري ما تلحق ..تعرف كيفاه ؟ مانيش مسلّم في حقي !!حقي ناخذو وكيف تكون شكونك!! يلوّح بيديه في الهواء..
-لا محسوب خوفتني برشا..تنتي واحد بهيم مفهمهتش كيفاه عاطينك رخصة، مسكين الّي يركب معا ك شوف يوصل كامل شوف لا..يا بهيم! يا راس اللّحم!
-والله لما نفشّخ والديك بطريحة يا فرخ!! يا قننّو!!
أتو*****
يمسك السائق بياقة الشاب ، يمسك الأخير بيديه محاولا تخليص نفسه من قبضتيه القويتين.
-تي سيب سيييب….
-وووه عليّ..هيا نمشيو..ناقصنا كان هالمّارك ..خيت ملاّ حالة!!! أيّا راسي تنقب، والله قوات المطر..
تجذب لينا فاتن من ذراعها. لكن هذه الأخيرة تتسمّر في مكانها، تتجاهلها وتتقدّم نحوالرجلين.
-تي إيجا لهنا..يا طفلة..وين ماشية؟…تي شدخّلنا فيهم..ياكلو بعضهم..
تواصل فاتن المضي نحوهما، تمسك السائق من أحد ذراعيه في محاولة بائسة لتهدئته:
-تي سيّبو اشبيك؟! إنتي الي وقفت في وسط الطريق على غفلة!! تقول للسائق.
يلتفت نحوها:
شنوا للّا؟!! كيفاه؟!!- يهاجمها السائق. يتقدم نحوها والشرر يتطاير من عينيه- شنوّا؟ كرايا الي وقفتلكم فيسع؟ قلت بنات وحدهم والمطر تصب على قْبهم؟!! تو جايا مع السخطة هذا؟؟!! يا والله عريبة!! يا والله أحوال!!
-بالرسمي؟؟ عامل علينا مزيّة سيادتك؟ لاخي موش ماش نخلصوك ؟ بالك بلاش مِش توصّلنا!!
-ملاّ قباحة وقلة حياء!! يقول السائق في قمة الغضب- بزهرك منمسّوش النساء ولا راني وريتك كيفاه المزية!!
في تلك الأثناء ينتبه الشاب لوجود لينا التي بقيت ترتجف وتغطي أطراف جسدها بمعطفها المبتل يحدق فيها قليلا ثم يشيح بنظره عنها.
يعود إلى سيارته و يتقدم نحو السائق الذي كان يكمل شجاره مع فاتن. يمد أوراقا مالية في وجه السائق.
-أيا خوذ وطير من هنا!!
تتسع عينا السائق عند رؤية المال..
-شنوّا هذا؟!!
– شنوّا شنوّا؟ فلوس ..ماهو الحوبارة هاذي الكل عالفلوس..هو الفلوس!!
-اسمع قتلك منسلّمش في حقي أنا مِش نشكي بيك!! حقي ناخذو بالقانون مجيتش نطلب عليك!! تتمسخر عليّ بالأربع سوردي هاذم!! فهمت ولا لا!! يلوح بالمال في الهواء.
-تي خوذ الفلوس وهيا نمشيو هالليلة الكحلة!! تقول فاتن.. “حقي” تعيد كلام السائق في استهزاء- اشكي وزمّر وامشي وايجا محاكم وقربلّة …وشوف شوف يصُحلكشي تفتوفة..تي هيا خوذ الفلوس وهيا وصلنا..
يحسب السائق رزمة المال في صمت…يضعها في جيبه ويعود إلى سيارته.. يبتسم الشاب في سخرية.. تنادي فاتن لينا: -لينا ..لينا إيجا…
تهم بفتح باب التاكسي لكن السائق ينطلق في سرعة جنونية متجاهلا إياها..
-يعن بو بوك!! برّا الله لا تباركلك يا ساقط!! تسب فاتن في سخط شديد.
يضحك الشاب ويقهقه.. تلتفت نحوه فاتن:
-تضحك إنتي؟ فرحان؟ تلهث من شدة الغضب.
-مشى التاكسي..يقول يضرب كفيه في بعضهما البعض..ويقهقه هههههه …
-زيد اضحك زيد..كان مش أنا جيت وسلّكتلك أمورك راهو كلاك ماكلة..
-هههههه…يقهقه ثانية إنتي؟!! مشيرا إليها بسبابته..ملاّ كعبة…ههههه…
تنظر إليه فاتن في غضب لكن صوت لينا الرقيق يقطع حديثهما:
-تي هيا فاتن…هيا نمشيو!!
يبتسم الشاب ثم يقول:
-هيا ..هيا ايجاو لبنات نوصلكم..
-لينا ..لينا ايجا نركبو…-لا تضيع فاتن الفرصة.
تتقدم لينا نحوهما بخطى ثقيلة ثم تقول لفاتن:
– اشبيك هبلت؟ يمشيشي يخطفنا…لا منركبش..نستنى تاكسي أخرى خير..
يستمع الشاب لما قالته لينا. يضحك فاتحا فاه لقطرات المطر وقد عاودت النزول بعد أن هدأت قليلا.
-ههههههه ..أوك إيجاو نخطفكم مش خير مالي تقعدو لهنا وحدكم؟
يزمجر الرعد ويشتد البرق. يهتز جسد لينا في رعب ويعبس وجهها.
تتطلع فاتن حواليهم في ذلك الشارع. لا يوجد أحد. تمسك يد لينا.
-هيا هيا ..متخافش يظهر نظيّف..
-نظيّف..؟ تنظر إليه مرة أخرى.
تتلاقى نظرات لينا بنظرات الشاب. يحدق فيها في صمت.
في الطريق
يقود الشاب السيارة في سرعة شديدة. تتعالى موسيقى أغنية أجنبية رديئة. ينظر تارة أمامه تارة إلى المرآة الداخلية للسيارة. تلتقي نظراته الحادة بلينا مجددا. تخفض لينا عيناها.
-شفت كيفاه يغزر؟ توشوش لفاتن وتشد على يدها.
-تي شعندك فيه يغزر ولا يزمّر المفيد يوصلنا.
يبتسم الشاب ابتسامة غامضة ثم يخرج عن صمته: -وين نمشي توا؟
-طول…حذا الفارماسي دو نوي هاذيكا..تشير بسبابتها..
– اههه… تسكنو في الفواييي؟ تسكنو فرد فوايي إنتوما؟؟
– أي ..فرد بيت زادا ههه – تضحك فاتن ضحكة خفيفة.
ترمقها لينا بنظرات حادة.
-شبيها صاحبتك عاقدتها؟
-آه..لينا؟ بالعكس..صاحبة جو..
-اففف…تشيح لينا بوجهها عنهما في سخط..
-اممم..لينا..محلاه اسمك..
تنظر إليه لينا نظرة جامدة ثم تشيح بوجهها عنه مرة أخرى.
يبتسم الشاب ويخفض عيناه.
في غرفة لينا وفاتن بالمبيت
تلبس لينا بيجاما وردية ثم تلم شعرها الهائج بعد تجفيفه في عصبية:
-لينا …تقلد فاتن في سخرية …قتلك أنا قلّو على اسمي؟
تضع فاتن كريم على وجهها بعناية ووتطلع إلى نفسها في المرآة الصغيرة المعلقة على الجدار.
-هههههه…تضحك…شبيك متغششة…هو عجبو…هههههه
-نقّص م البلادة…
-شمّيت بارفانتو ؟؟ تهبّل ..تقتل!!
تجلس لينا على فراشها، تضم إحدى الوسائد:
-تي شيهمني فيه…
-اش بيك؟ ملّا مصتكة…يا بنتي لوليد ظاهر ولد عايلة ولاباس عليه وزيد…تبتسم في خبث.. بوقْوص.. وعيا وهو يغزرلك هههه
-قتلك ميهمنيش فيه…ترد لينا في عصبية
-أقعد بُكّا!! ترفع فاتن يدها في الهواء في غضب ثم تقول: صبالاخير يا بكّا..طفي الضوء عاد خنّرقدو ولا مش تقعد هكك مصمعطة تحلم كي عادتك بواحد مزمّركيما الي كان هههه…
-تي ارقد ممبلدك وماركّك….ترمي عليها الوسادة التي كانت بيدها.. تلتقط فاتن الوسادة التي سقطت على الأرض:
-والله على بلادتك لما نخليك ترقد بلا مخدة خلي كرومتك تصبح مدقدقة كيما كسرتلي كرايمي اليوم…تقول فاتن.
– محسوب خليها عندك…. عندي مخدتي الصغيرة ههه.. قارية حسابي لكل شي..
-اه …نسيت لحكاية هاذي ههههه..ملا طفلة
تفتح خزانتها تخرج مخدة صغيرة محشوة بالريش كانت قد أعطتها لها جدتها..تربت عليها قليلا بيدها ثم تطفئ الأضواء.
-صبالاخير
-بون نوي ما شار..
يأتي ضوء الطريق العمومي من خلال نافذة كبيرة تتوسط الغرفة على فراش لينا. تضع لينا يديها تحت المخدة. تتحرك رموش عينيها الطويلة في سرعة وتشرد كعادتها.
فلاش باك
في إحدى غرف المبيت
كانت لينا تجلس على إحدى الأسِرّة، تمسك بخصلات شعرها تداعبها بأصابعها الرقيقة، تتنفس بقوة ثم تنفخ في قلق.
تحضر سلوى الطعام. تستدير نحوها وفي يدها نصف حبة طماطم وسكين صغير:
-شفت ؟ كي قتلك لولد هذا حكايتو فارغة..كان جيت في بلاصتك والله لا عاد يشوف وجهي..الساقط..
تنظر لينا إلى كاحلها بعدما تورم كثيرا.
-متأكدة حكيت معاه؟ بالك غالطة فيه؟
-شنوا؟ تقول سلوى في انزعاج..تي هو!! استغفر الله العظيم مخيب منظرو!!!
تقضم لينا أظافرها في عصبية:
-تو هكّا؟؟!! هالقدّا تسوقيط؟؟!! موش مصدقة!!
– لا صدّق عزيزتي..مشينالو ما يجيش..نبعثولو مع صاحبو ما يردّش..شنعملولو أكثر من هكّا؟؟ انساه هذا حكايتو فارغة..متكسرش راسك برشا ما يستاهلش..
تتنهد لينا والحزن يملأ ملامح وجهها.
-غدوة لازمني نروح..معادش قاعدة لهنا …روحي طلعت مالفوايي..
-تحب تروح روح.. غدوة الصباح إن شاء الله ناخذو تاكسي و نوصلك للمحطة وكانك عالكور خوذ من عندي مش مشكل..تبتسم سلوى ابتسامة جميلة.
-عيشك سلوى ..كان ماجيتش معايا منعرفش شكان يصير فيا..تبتسم لينا في امتنان..
الآن
في غرفة فاتن ولينا
ووووووه
تفتح لينا عينيها مذعورة.
تنهض فاتن من فراشها، تشعل الأضواء وهي ترتعش.
صوت صراخ شديد…
صرير أبواب تفتح …
هرج ومرج في الممرات..
صوت ركض على الدرج….
انتظروا بقية أحداث الجزء الثالث… قريبا إن شاء الله
الكاتبة الروائية حنان الشلي
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة حنان الشلي
أضف تعليق