رئيسية » الكاتبة الروائية حنان الشلي: الجزء الأول من روايتي “ذكريات لينا”
الثقافة

الكاتبة الروائية حنان الشلي: الجزء الأول من روايتي “ذكريات لينا”

الجزء الأول من روايتي “ذكريات لينا”
لقراءة أجزاء الرواية  اضغط هنا –> رواية ذكريات لينا

تدور أحداث الرواية في أواخر التسعينات

الجزء الأول:

تمسك فتاة بكأس بلاستيكي، تترشّف منه قليلا ثم تضعه على طاولة بجوارها. تنحني لتشدّ حزام حذائِها ذا الكعب العالي. يظهر وشم طائر الفينيكس على إحدى أرجلها النحيلة.
تأتي فتاة أخرى مسرعة..تلكزها من كتفها- ترتدي ثوب سهرة وردي وتضع الكثير من الماكياج.
-هااااي..لينا..أيا قوم!! لتو لهنا؟! أياّ فيصع!!..
-هاني جايا.. ..جايا.. اللطف يا ربي مفماش صبر؟!!
يفتح ستار كبير من القماش الأحمر الخشن. تسطع الأضواء من كل جانب. جلبة وضجيج ثم تصفيق وتصفير.يحيّي مايسترو الفرقة الجمهور. لحظة هدوء ثم تنطلق موسيقى أنغام إسبانية جميلة.
تجلس لينا في الوسط، تعزف البيانو. ترتدي فستانا أبيضَ طويلا وكان شعرها الأسود الغزير منسدلا على ظهرها وكتفاها العاريتان. تزينه وردة حمراء فوق أذنها.
تعزف لينا بمهارة كانت منغمسة تماما مع الأنغام والألحان. تسلط الأضواء تارة عليها و تارة على بقية أفراد الفرقة.
يتواصل الحفل …تتوالى المقاطع الموسيقية ..التصفيق.. التحايا..الأضواء…
يقترب إلى النهاية..
لم تستطع لينا المقاومة والتركيز أكثر من ذلك..تستسلم لخيالها وتشرد..في حين تواصل أناملها الرقيقة الحركة في خفة على لوحة مفاتيح البيانو..يأخذها عقلها إلى الماضي …
فلاش باك
لينا وسط حافلة- ممسكة دفاتر الدراسة بيد وأخرى كانت تتشبث بإحدى الأعمدة الحديدية- كانت لينا تلبس حذاء رياضيا أزرق وسروال من الجينز وكنزة صوفية خضراء وحقيبة ظهر سوداء من الجلد.
تتمايل الحافلة المكتضة وتهتز في طريقها نحو الكلية، متسلقة طريقا معوجة ضاقت بعدد هائل من السيارات.
فجأة تصرخ إحدى الطالبات : نار! …نار!..حريقة !…حريقة!..
يوقف السائق الحافلة..هرج ومرج..صراخ..دخان…يسرع السائق وفي يده أنبوب إطفاء الحرائق..يحاول إخماد نارتظهر من أحد الثقوب الجانبية للحافلة.
تصرخ إحدى الفتيات في هلع مخاطبة إباه:
-حل الباب!!…تي حل الباب!!…
تفتح الأبواب …تندفع الطالبات بقوة نحو الخارج.. يكثر التدافع والصراخ..
تراقب لينا ما يجري في ذعر. تمشي وراء كومة الطالبات المتدافعات. تحاول الخروج… تشعر بدفعة قوية من الخلف.. تسقط على اسمنت الطريق الحارق..
-آه …تقول متأوهة ماسكة بكاحلها وقد التوى من شدة الارتطام.
تحاول لينا الوقوف…. تجمع دفاترها.. تلتقط حقيبتها.. تمشي بخطى بطيئة نحو الكلية ..تلفح أشعة الشمس بشرة وجهها الناعم..
بعد برهة..
تقف لينا منهكة أمام درج الكلية الرخامي ذو اللون الرمادي. تمسك بالدرابزين الحديدي الأسود محاولة الصعود وقد بدأ ألم كاحلها يشتد.. تصعد لينا الطابق الأول..الثاني..الثالث..محاولة المرور بين حشود الطلبة. تصل أخيرا أمام باب قاعة الدرس- باب خشبي فيه شباك زجاجي مربع صغير- تلقي من خلاله لينا نظرة على الفصل ..تلمحها الأستاذة- امرأة في الخمسينات – قصيرة- ذات شعر بني قصير تلبس فستانا أنيقا و عقدا من اللؤلؤ كانت تزين به رقبتها – ممسكة بورقة تلوح بها يمينا و يسارا أمام الطلبة- تقطب الأستاذة جبينها- تطرق لينا الباب طرقات خفيفة- تنفخ الأستاذة في انزعاج- تبلع لينا ريقها …يخفق قلبها بشدة ..تقرر عدم الدخول…
تعود لينا أدراجها شبه راكضة وغصة تؤلم حلقها –يفتح باب الفصل…تطل الأستاذة برأسها ..تحدق في لينا في استغراب.. ثم تدخل متجاهلة إياها..
بعد فترة من الزمن
تتوقف حافلة صفراء مغبرة ..يفتح الباب..تنزل لينا بصعوبة وقد انتفخ كاحلها تماما..تجد أولادا يلعبون كرة القدم..تمر بينهم في صعوبة..لم تعد تتحمل الألم.. لم تجد لينا حلا غير القفز على رجل واحدة..كانت تمسك بالحيطان وشبابيك المنازل الحديدية عند مرورها بإحدى الأزقة الضيقة..كان يوجد غسيل منشور على الحيطان..ورائحة أكل شهية ..تتوقف لينا قليلا..تتحسس معدتها الفارغة ..تبلع ريقها..لقد جاعت وأخذ منها التعب مأخذا..
تقف لينا لاهثة ممسكة بأحد الشبابيك الحديدية. تخرج امرأة سمينة تغطي شعرها بوشاح مزركش وتلبس جلبابا مزخرفا- تتأملها ثم تقول:
-شبيك بنيتي؟
-صاقي تفصعت منجمش نعفس عليها….
-يا لطيف يا لطيف! لازم تمشي للطبيب ..
-امممم….اه ..ايه ترد لينا في ألم ، مواصلة القفز على رجل واحدة نحو السكن الجامعي.
أمام المبنى
يعترض طريقها شاب أسمريلبس نظارة سوداء وفتاة ذات ذات شعر طويل مصبوغ باللون الأحمر الفاقع ..يقتربان منها..يقول الشاب
متهكما:
-شنوا.. تعمل في سبور؟ههههه يضحك.
ترد صديقته : ظاهرلي هكيكا…هههه ..تنظر إليها في ازدراء من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها.
يمضيان في سبيلهما يقهقان من الضحك.
تلتفت نحوهما لينا والغضب يملأ عينيها العسليتان الجميلتان: ملا امّارك…متحشموش!
داخل المبيت الجامعي
آخر اليوم
تنزل لينا الدرج وقد انتفخ قدمها ..كانت تبكي من شدة الألم.. تسمع صوتا من الخلف..فتاة طويلة سمراء جميلة ذات عينان كبيرتان:
-استنى..
تلتفت نحوها لينا.
تنزل الفتاة بضع درجات ..تمد يدها نحو لينا..تمسك لينا بيدها.
-شبيك.. شفما؟
-صاقي توجع ..مفصوعة…ماشية نشوف الطبيبة ..تمسح دموعها بيدها الأخرى..
-الطبيبة تجي كان نهار لخميس… تنظر إليها في أسف.
-ووه بالحق؟ ..يا ربي ..شنوا نعمل توا …؟ تقول لينا في حيرة..
-متخافش ..ايجا معايا لبيتي ..ارتاح..وأنا تو نمشي للفارماسي نشري بونداج و بوماد .
-لا لواه تشقي في روحك يعطيك الصحة..
-تي هيا ..هيا ..تمسك الفتاة بذراع لينا ..مبتسمة ابتسامة حلوة..ايجا نعرفك بالبنات الي معايا في البيت ..أصحاب جوبا محلاهم..يفرحو بيك ..هيا.. اه ستنى شنوا اسمك ؟ أنا اسمي سلوى..
-لينا…تقول لينا مبتسمة ..
كان ذلك اليوم أول لقاء بينها و بين صديقتها سلوى. فلينا لم تكن تحب ذلك المكان لكن وجود سلوى وصديقاتها خفف عنها وحدتها وأضاف لها الكثير في حياتها آنذاك.
الآن في المسرح
– لينا …لينا…
تلتفت لينا ..
تجد صديقتها وزميلتها في الفرقة الموسيقية تقف إلى جانبها وقد ارتدت معطفها وجهزت نفسها للخروج.
تنظر لينا حواليها في دهشة.- لا أحد غيرهن في المسرح.
– آه …شبيني ..اه …سرحت شويا…
– شويا؟!..يا بنتي ماقعد حد !..في بالي بيك سبقت وروحت كان مش لقيت دبشك لداخل…هيا عزيزة..تصب قاعدة لبرا..يا ربي !..كيفاه مش نلقاو تاكسي فهالطقس..مش مش نلقاو..!
– باهي علاش رجعت انتي عاد روحت ؟!
– لا يعميني متغششة زادا ومش عاجبها للاّ؟ كرابا الي خفت عليك وما حبيتش نخليك وحدك؟!
– باهي فاتن يزي فك علي عاد!!…افف…هيا نمشيو.. هيا منضيعوش الوقت لهنا..
بعد بضع دقائق
تقف فاتن ولينا أمام باب المسرح وقد اشتد المطر.
– وووه مش مش تاقف..تقول لينا
– ايه..الظاهر هكا مطوّلة..هيا نمشيو لقدام شويا بالك نلقاو تاكسي..
تركض الفتاتان عل الطريق الفرعية الفارغة وقد زينت على الجانبين بأضواء جميلة أمام الأشجارو المحلات التي أغلق معظمها لتأخر الوقت.
يشتد المطر..يزمجر الرعد.. تتعالى صيحاتهن وضحكاتهن …
-تاكسي..تاكس..تنادي فاتن بأعلى صوتها .تأتي عربة تاكسي صدفة من الطريق الرئيسي..
-موش مش ياقف..ما شافناش ..تقول لينا وقد ابتلت تماما …
تتوقف سيارة التاكسي..تفرح الفتاتان..لكن صوتا مدويا يسرق فرحتهن و يحولها إلى ذعر..
تصرخ فاتن ..تضع كفيها على فمها..يشتد المطر..تتساقط قطراته القوية والمؤلمة على رأس ووجه لينا التي تجمدت في مكانها…

انتظروا بقية أحداث الجزء الثاني… قريبا إن شاء الله

الكاتبة الروائية حنان الشلي
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة حنان الشلي

2 تعليقات