الجزء الثالث من روايتي “ذكريات لينا”
لقراءة أجزاء الرواية اضغط هنا –> رواية ذكريات لينا
الجزء الثالث:
يركض جمع من الفتيات على الدرج بسرعة..
تسألهن لينا في قلق : شفمّا ياخي؟؟!!
ترد إحداهن: منعرفش قالوا وحدة رمات روحها…
تنصدم لينا: شنوّا؟؟!!!
-هيا نمشيو نشوفو شفمّا..تقول فاتن شبه راكضة …-سكّر الباب …هيّا ..هيّا..
تعود لينا إلى الغرفة. تأخذ كنزة صوفية خشنة، تلبسها فوق البيجاما ثم تلحق بفاتن.
يكثر الضجيج…والأقاويل..
– رمات روحها من الشباك..
– اللطف ياربي…
-علاش ؟ شبيها مريضة؟
– قالو عندها كا “cas”..
تسمع لينا ما تتداوله الفتيات من حكايات وسيناريوهات متنوعة …تشعر بالحزن والأسف. كم هو مريع أن ينهي أحد ما حياته بهذه الطريقة البشعة مهما تكن أسبابه.
-لينا..لينا…
تخرج لينا من شرودها…تلتفت.. ترى فاتن آتية من المبنى المجاور…شبه ضاحكة..
-آش بيك تتضيحك اللّطف؟
قالو طفلة رمات روحها من البلوك سي..تقول لينا في ذعر.
-هههههه…صدّقتهم يا بهلولة؟
– تي هو قالو!!..
– قالو…إذاعة قالو…تقول فاتن في سخرية..
– شفمّا مالا؟؟ وشنيـّة الحضبة هاكي اللي قدّام بلوك المديرة؟
– قالك وحدة دخلت لبيتها تلقى راجل في وسطها…هههههه….تقهقه فاتن.
– وووه….كيفاه؟
– هههههه….تواصل ضحكها.
– كيفاه دخل؟!!
– والله دخل ولاّ دخلوه …الله أعلم…تقول في خبث…
هرج ومرج مرة أخرى أمام مبنى المديرة.
تتعالى الرقاب لرؤية ما يحدث. يخرج حارسي المبيت. أحدهما أسمر نحيل ويعرج قليلا والثاني سمين وقصير. يجرّان رجلا كبّلت يداه بحبل ثم يدفعانه من الخلف بقوة.
تنزع إحدى الفتيات الشبشب من قدميها… تهوي به على رأس الرجل وتشتمه..تتبعها أخرى ثمّ أخريات…
يكثر الصّراخ والسب والشتم..
يأتي مقتصد المبيت.
– يكفي!!! شنوا هذا؟؟!! امشي يا حمد!! هزو لبيتك حتى يجي الحاكم!
– الله يبارك..يقول الحارس حمد..تي امشي !!! تحرك!!! يدفع الرجل بعنف داخل الغرفة الخاصة بالحراسة ثم يغلق عليه الباب والشباك.
تأتي المديرة. امرأة في الخمسينات قصيرة القامة وممتلئة الجسم. تهرول من بعيد.. يكسو وجهها القلق…
– اطلبو الحاكم فيسع!!!
– طلبنا مدام…يرد الحارس السمين
تلتفت المديرة نحو جمع الفتيات المتجمهرات أمام الباب الرئيسي للمبيت.
تصفق..
– هيا لبنات.. كل وحدة تمشي لبيتها ..أيا طره!! منحب نشوف حتى وحدة لبرا…!!! حمد!! سكر بيبان البلوكات!!!
– حاضر مدام…
ضجيج جلبة
مرة أخرى.
تمشي لينا وفاتن وراء جمع غفير من الطالبات، يصعدن الدرج…
-جد عليك الفيلم اللي يعملو فيه؟ تي صاحبها ! هههه تقهقه إحدى الفتيات.
لينا- كيفاه صاحبها؟ مفهمتش؟
فاتن- تي امشي امشي..مش لازم تفهم..
أمام غرفة فاتن ولينا
تقف ثلاث فتيات، يتحدثن:
– اللطف يا ربي..
– سمعنا وسلمنا…
– تشبيك هو مازال يسكن فيها حد بعد ما رمات روحها ؟
لينا – ووه صار هي بالحق حكاية الطفلة الي ماتت؟
تجيب إحداهن- أي صارت بالحق…
لينا- ووه .. يزي من هالهداري ..لحمي قشعر..خوفتوني..ليلة كلبة كيفاه مش نرقد..
فاتن- هههههه…تي ريق بارد …جد عليك إنت؟
ترد عليها أقصر فتاة فيهن ذات شعر طويل رطب أسود ووجه شديد البياض وعينان كبيرتان سوداوان:
لا بالجد ..مش كذبة لحكاية… روح البنية مازات تدور ….ردو بالكم تخلّيوو شعركم كيف تمشطوه… ولاّ تقصّو ظوافركم ..لبرّا ولا على الطاولة مثلا..
شيجرا ؟ تقول لينا في ذعر
– من غدوة متلقاوهمش…تقول ذلك بصوت هادئ مليء بالثقة.
مما يزيد في خوف لينا: ظوافر وشعر ؟ أيا ادخل ادخل فاتن قالك ظوافر!
فاتن- علاه هكا ؟؟!! الطفلة ولاّت ترعش!! نقصو من البلادة!
بعد برهة
تحاول لينا النوم، تتقلب على فراشها مرات ومرات، تغطي تارة رأسها بالوسادة وتارة أخرى بالغطاء.
-افففف..اسم الله مرحيم…
تنظر إلى فاتن التي كانت نائمة.
-ازّح….كيفاه ترقد هاذي وميش لهنا؟!…
تسمع لبنا أصواتا غريبة فوق أسطوح الغرفة.. يقشعر بدنها من الخوف ثانية.
تغمض عينيها …تتحرك رموشها في سرعة..
فلاش باك
يجلس أفراد عائلة لينا حول طاولة صغيرة مستديرة في غرفة المطبخ.
تشعر لينا بالسعادة والأمان. تتحدث إلى إخوتها و تضحك.
يأتي صوت عال فجأة – اسّه…اسّه…
أم لينا( فهيمة)- آش نوّا هذا؟
والدها(سالم)- شنوا شنوا؟ عرس..
فهيمة- آآآه ..هاذم… جيرانا الي حذا الواد…جاتني زهرة..عندها طهور ولد ولدها جا مالخارج..
أخت لينا الكبرى( سوسن)- قالو مش يعملو مزود ومش يجيبو واحد مشهور..
لينا – برّا عاد ..ليلتنا فل…هاذم تحبّلهم للصباح..
أختها الصغرى( دينا)- لواه؟؟ ساعك جو..هيا نقعدو نشطحو في الصدار…هههههه
سالم- ملا دينا …هههههه
يضحك الجميع…
بعد ساعة ونصف تقريبا
ترقص دينا بمفردها وسط باحة المنزل. تضحك وتدعو البقية لمشاركتها ذلك.
سوسن- تي ايجا أقعد..دوّختلي راسي..
سالم- خليها تشطح عاملة جو ..ههههه
فهيمة-شنية هالفرقة ؟ هذا زعما متاع مشهور…طاق طاق..كسرولي راسي …
تتوقف الموسيقى فجأة…
سالم ضاحكا – أهه …شي لله للاّ فهيمة …هههههه
سوسن – ميش نورمال…هههه
يأتي فجأة صوت صراخ من بعيد…ضجة وجلبة…أصوات أشياء تكسر..
لينا- آش فما زادا؟؟
فهيمة- شفما؟ ماهو سكرو كالعادة وكلاو بعضهم…
سوسن- وهف إن شاء الله..
تهرول دينا نحو باب المنزل- خان نشوف شفما..
فهيمة- ايجا يا طفلة!! وين طالعة؟!!
ثم تلحقها مسرعة- ستنى …ستنى …يا طفلة!!
سوسن- اللطف …النسناسة وبنتها…هههه
يتواصل الضجيج والصراخ…
تأتي دينا مسرعة- لينا … تي ايجا …ايجا تفرج …ههههه..مش نورمال…ههههه
تخرج لينا بسرعة إلى حديقة المنزل، تراقب ما يجري من خلال السور.
جمع غفير من الشبان يركضون وآ خرون يتشاجرون وآخرون يتبادلون العنف والسباب.
تي سيّيب …تي سيّب!!! *****
تتطاير الحجارة والكراسي البلاستيكية.
سباب وشتم…نسوة تصيح وتلطم…
تخرج الجارة منيرة من منزلها مذعورة ، تنادي ابنها:
ريان ..با ريان !!!! روّح!! روّح!!! عيش ولدي يهديك !! متوسلة شبه باكية.
يأتي ريان من بعيد راكضا…لاهثا.. نصف عار…يتبعه أحدهم في يده سيف.
-والله لما نورّيك …ستنا برك….تو نعلمك..يا ***** يقول له ريان.
تمسكه أمه من ذراعه:
-هيا ادخل الدار..يهديك زوز!!
– تي سيّب !! سيّييب !!!
-ايجا كانك راجل…ههه ولا تخبيت ورا أمك ؟؟…يقول صاحب السيف في تهكم ولهجة استفزاز.
– سيبني عليه يقول ريان لأمه ..تي سيب والله لما نقتلو..والله لما نذبح والديه…
-وووه ….ووووه تصيح الجارة منيرة .. تحاول جذبه من ذراعه وإدخاله المنزل..
يأتي أحد الجيران ويحاول تهدئته وعند فشله في ذلك يدفعه بقوة داخل المنزل ..
-تي ادخل ****
-هههههه…تقهقه لينا …شفت الفازة؟؟ وين بات حسو تو ؟ زعما تخبىّ؟ كالعادة؟ ههههه
-يا بنتي ما يجيكش عجب…ذليل…ههههه
-واكا شكونو الي جاي من بعيد…اسم الله مرحيم.. منظرو يخوف. أيا ادخلو لبنات…تقول فهيمة لبناتها.
-تي خلينا …تقول دينا..فما واحد يفلّت هالجو ويدخل؟ شفمّا سهرة لداخل كان المسلسلات البايتة…
-لينا: أي والله ههههه…فرجة هايلة متتفلّتش…
فهيمة…تنسى ما قالته بسرعة…تحدق في الشاب عن كثب.
-وووه تو هاذا الدب يقولولو…مدورو جاي مع الي في يدو السيف…
يأتي الشاب وبقترب من منزل الجارة منيرة يقف إلى جانب الشاب المسلّح.
شاب أسمر نحيل…يحمل حجرة متوسطة الحجم يرمي بها باب المنزل.
-في بالكم مش نخاف؟؟ اه…ما يوقفني حد…قاتلك قاتلك الليلة ****على راسك..تي اخرج يا ****…تخاف من الرجال اه يا **** الدب ما يخاف من حد..ديما نضرب أنا …ندخل نضرب…نخرج نضرب …
يطل ريان من شرفة منزلهم.
-أنا نخاف منك يا ****أو هابطلك لما ندقدقك…!!!
-يا ريان يعيش ولدي…تتوسل ثانية…
ينزل الدرج …يحاول فتح الباب…لكنه يعجزعن ذلك لقد أغلقته الجارة منيرة وخبأت المفتاح…
-هاااات المفتااااح…يصرخ ريان…
-ههههههه …تقهقه لينا ودينا حتى والدتهن… تقول: ووه يلبنات …تحبس كالفار….هههه
-تي حل الباب …تي حل البااااب..يواصل ريان صراخه دون جدوى..
الجارة منيرة: لا…ماكش خارج…
في تلك الأثناء
يأتي رجل أسمر..أشعث الشعر..عاري الصدر..يلبس سلسالا ذهبيا خشنا في رقبته القصيرة يرفع سيفا في يده المغطاة بوشم أزرق قبيح وتكسو أصابعه العديد من الخواتم الذهبية الصفراء الفاقعة..يركض في خفة غير مبال بأحد..يهجم على “الدب” وصديقه..دون خوف..يتعالى الصراخ ..يهرول ناحيتهم رجال من الحي محاولين تهدئتهم..
ثم تأتي سيارة من جهة الوادي مسرعة وتغادر المكان…
تقول امراة سمينة تقف حذو الخالة فهيمة:
-ريت الكرهبة هاكي؟..هاكي هازين فيها المغني..قالك شرب شرب لين مد لربعة…
-ووه صار مضربوهش ؟ في بالي جاتو ضربة لاخي داخ…تقول فهيمة
تجيب المرأة – لا لا ..تي قبل العركة..مدلهم لربعة قاتلك…وهالمفرخ مش كلهم ولاد الحومة ..اغزر اغزر المناظر ..مش من هنا …يخوفو…
تتواصل الأحداث …
تأتي سيارة أجرة…تتوقف أمام منزل أصحاب حفل الختان..يحمل أربعة شبان رجلا مغما عليه.يحاولون وضعه داخلها..
المرأة السمينة: ووه هذا هو ضاربينو يا ربي اللطف..دمو شرتلاّ اسم الله!
لكن سرعان ما تنطلق سيارة الأجرة بسرعة جنونية دون ركاب بعد أن بقيت الأبواب الثلاث مفتوحة.
يركض خلفها عدد من الشبان..يرشقونها بالحجارة…ويسبون السائق بأبشع النعوت.
لينا ضاحكة : ههههه..شو شو كيفاه هرب الشوفير…
دينا: لقاهم مجرّمة خاف هرب بجلدو …
فهيمة : أيا لبنات …يزّي مالفرجة ..هيا ادخلو…
المرأة السمينة: ملا حالة..يا والله أحوال..ربي يهدي من خلق. هاو جابولو كرهبة أخرى مش تهزّو..
فهيمة: الصّبر وخيـّتي..
تغلق باب الحديقة الحديدي.
داخل المنزل
-آه…شختو بالفرجة والتنسنيس؟ تقول سوسن
لينا : أي والله جو..متنا بالضحك..
سالم: ربي يلهينا فحوايجنا..
فهيمة: وهي فرجة …وهي فرجة..تضع سبابتها على عينها. فيلم على حالو يا سلومة..
دينا : أقوى فازة متاع الطاكسي..
لينا: ولا ريان المحبوس هههههه
تتعالى الضحكات …
الآن
تصفف لينا شعرها البني المموج أمام المرآة الصغيرة المعلقة على الجدار..
تأتي فاتن من ورائها ..
-تي ابعد طرف زح..
-تي هو كملت شبيك معندكش صبر؟؟!
-مخّـر ..معادش وقت ..ممشطش شعري ..ومش تجي “السبيسيال”..( حافلة مخصصة للطلبة)
-اففف…
تقف لينا تلبس معطفا بنيا طويلا ..تلتقط حقيبتها وأدباشها من فوق فراشها..
ثم تلقي بنظرة من الشباك..
تهم بالحديث إلى فاتن المنشغلة بتصفيف شعرها المجعد…
-شنوا رايك….تصمت فجأة. تتسمر أمام النافذة..
تتسع عيناها…
تضع أصابعها على فمها…
يتبع…
انتظروا بقية أحداث الجزء الرابع … قريبا إن شاء الله
الكاتبة الروائية حنان الشلي
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة حنان الشلي
أضف تعليق