الجزء الرابع من روايتي “ذكريات لينا”
لقراءة أجزاء الرواية اضغط هنا –> رواية ذكريات لينا
الجزء الرابع:
-شنوا شبيك سكت؟
تحدق فاتن في لينا وقد تسمّرت في مكانها أمام النافذة ، لا تنبس ببنت شفة ..
– تي شفما؟ شبيك؟
تقترب من النافذة ، تتسع عيناها، ترتسم ابتسامة على وجهها ثم تقهقه في جنون: ههههه
لينا: تضحك؟ ! عجبك تو؟!!!
– آش بيك متغششة ؟ والله كان جيت منك راني نشطح بالمحارم…يابهلولة.
إن شاء الله يطلع يستنى في بنية أخرى مالا!! خليك تتبخس وتعرف ربي!!
– بالك جا عجالك إنتي..علاش أنا؟ !
-آااانا ؟ …تقلّدها في استهزاء …آاانا…برّا امشي.. امشي ..السبيسيال قريب توصل…
ثم تعود خطوة إلى الوراء، ترمق لينا ضاحكة :
ولاّ قلي إنتي معادش حاجتك بالسبيسيال…خليها للناس الزواولة الي كيفنا…هههه
تلكزها لينا على كتفها بقوة: امشي قدامي!!مبلدك وماركك!!!
أمام بوابة المبيت
يقف صاحب السيارة الرياضية البيضاء. يلمح لينا قادمة تمسك ذراع فاتن. تبدو له جميلة ورقيقة . ينتظر بلهفة أن تنتبه لوجوده.
يقترب قليلا منهن. ترفع لينا نظرها نحوه.تلتقي نظراتهما. يبتسم ابتسامة عريضة.تشيح لينا بوجهها عنه متجاهلة إياه. تختفي ابتسامة الشاب تدريجيا. ينزع نظارته الشمسية الكبيرة المربعة ثم يسرع في خطاه نحوها.
ينادي في لهفة:
– لينا!! لينا!!!
لا تلتفت لينا.
يعيد الكرّة في إصرار:
– لينا !!!
تواصل لينا تجاهله. تلتفت فاتن، تمسك بذراع لينا مجبرة إيّاها على التوقف:
أهه…تقول ..صباح الخير ..شتعمل لهنا؟
لينا : افففف…تي امشي علاه تكلم فيه؟ بصوت منخفض.
الشاب: هه…يحك أسفل رقبته…حبّيت نشوفكم..يرفع نظره نحو لينا…نطمان عليكم…
تنظر لينا يمينا ويسارا محاولة تفادي عينيه ونظراته الحادة.
لكن الشاب يفاجئها ويوجّه إليها الحديث: صباح الخير لينا…ناديتلك برشا مرات…مسمعتنيش؟
تمط لينا شفتيها ثم تقول: لا ..لا ..مممسمعتكش..برشا حس ..كيران ووغلية ..منين مش نسمع؟ تضغط في توتر بأصابعها الرقيقة على دفاتر كانت تحضنها.
تتدخل فاتن بعد أن لاحظت ارتباك لينا :
أحنا ماشين لسبيسيال تو، كان نوخرو ترصيلنا فلخرى تجي كان بعد ساعتين ويفوتنا الكور.
الشاب: مش مشكل ..تحبو نوصلكم ؟ في حماس.
تهم فاتن بالحديث. لكن لينا تسرق منها اللحظة: لا ..لا..ميسالش..
يعطيك الصحة.. مستانسين بالسبيسيال ..
ينظر الشاب إلى ساعته الكبيرة الفخمة: غير أربعة تو..وقتاه تجي هي؟
فاتن: تو ..هيا لينا مخّر..
تجذب لينا من ذراعها.
لكن الشاب يتقدم نحو لينا بكل جرأة: لينا! استنى!
تتسع عينا لينا في تعجب.تظل صامتة.
في حين تبتسم فاتن وتشيح بوجهها عنهما ثم تبتعد بعض الأمتار .
-تحب نرجعلك لعشية نشربو قهوة؟
في صوت خافت شبه مخنوق.
تحدق لينا في عينيه الصغيرتين ذات النظرات الحادة.
-قهوة؟ تبلع ريقها..لا
.معنديش وقت..سامحني منجمش..
يمط الشاب شفتيه في انكسار..يهز يديه في الهواء:
– بون ..مش مشكلة ..مرة أخرى
.إن شاء الله..
لينا: إن شاء الله..تشيح بوجهها عنه.
فاتن: يلا باي!
يقف الشاب هناك واضعا يديه في خصره، يراقب الفتاتين تقطعان الطريق شبه راكضات.
تقهقه فاتن دون انقطاع حتى وصلتا إلى محطة الحافلات.
لينا: اففف..تي بربي شنوا الي يضحك فيك؟!
فاتن: نضحك على بهامتك ههه ..كيفاش ؟؟ ستنى .. ” لا…معنديش وقت سامحني”- تمط شفتيها مقلدة لينا-ههههه..تقهقه.
تأتي الحافلة
لينا: اركب …اركب …
فيسع… خنلقاو بلاصة..ونقص مالبلادة.
في الجامعة
في ممر ضيق.
يتجمع حشد كبير من الطلبة و يتدافعون لرؤية ما عُلّق على طول الجدار الرمادي.
فاتن: زحح..ملا حالة..علاه هكا؟!!
لينا: ووه …تي بشوية! إشبيك تدز؟!!
طالبة: مانيش ندز
.إشييك إنتي هالصباح!!!
لينا: اشبيني؟؟!! مقل تربيتك!! في بلاصة سامحني!! الهم هاذم !!!
الطالبة: هم في راسك إن شاء الله!!
تهم لينا بالرد عليها..تتدخل فاتن: تي فك عليك منها! مش متربية! هات يدك !!..ايجا !! تعدّى من هنا!!
تمر فاتن ولينا بصعوبة بين جموع الطلبة. تقفن قرابة الجدار.
تشير فاتن بإصبعها إلى أحد جداول الأوقات: وه..
شو قداش معبّي السخط!!
لينا: ناقص كان مش يجيبونا الأحد..
فاتن- لا شوف ..شوف نهار لخميس..ساعتين عربية مالربعة حتى الستة وفي “الكاتسون” 400 يا معلم!!
لينا: نحضرو..أنا نحب العربية ..تو ناخذو السبيسيال لخرانيّة فالمرواح..
فاتن: لا وخيّتي..أقعد وحدك من نص النهار حتى للربعة!! بربي شتقعد تعمل؟؟!!
لينا: نمشيو لل” بريتش كانسل” ولا ” سنتر أمريكان” ونعملو فطور قمقوم في الأسواق..
فاتن: هههههه…أسواق ؟ تي كل يوم واحنا فيهم..لا ..لا أحضر وحدك ..بعد أعطيني نطبع الكور يا قراية ! تغمز فاتن في خبث وتضحك هههه.
تبتسم لينا في سخرية ثم تقول: اخدم يا تاعس على هاك الراقد الناعس.. ههه ..تهم بإكمال حديثها لكن قهقهات عالية تلهيها عنه. تلتفت..
تجد فتاة طويلة سمراء ، ذات شعر مجعد، تلبس ملابس ضيقة وتلوك في فمها علكة بطريقة مقززة.
يقف إلى جانبها شاب طويل وأسمر هو الآخر ونحيل ، يتكأ على الحائط. يتبادل كل منهما نظرات خبيثة تملأها الشهوة. يتهامسان ويتغمزان …تسمع قهقهات قوية أخرى.
تشمئز منهما لينا..ترمقهما بنظرات حادة.
الشاب: آشبيك للاّ؟ تكحرلنا مو لاباس؟
تتجمّد لينا في مكانها..يخفق قلبها بشدة..
يواصل الشاب حديثه: آه ..معندكش شكون يقلك كلام حلو؟ غايرة؟ ههههه يقهقه.
ترمقها الفتاة بنظرات مملوءة بالاحتقار وتشاركه الضحك في مياعة ههههه.
تخرج لينا من ذهولها.تبتعد عنهما مسرعة و شعور بالحزن و الألم يغشى داخلها.
على الدرج
نحو قاعة الدرس
تلاحظ فاتن تغير مزاج لينا وذهولها التي تصعد الدرج في صمت متجهمة الوجه، حزينة النظرات.
– أشبيك لينا؟ شصارلك ؟
– أه … لا ..حتى شي..
– وجهك مبدّل ..فما شكون قلقك؟
-لا .. لا ..مفما حد..
تشعر لينا بغصة في حلقها تمنعها من الكلام وبدموع مسجونة في مقلتيها تأبى النزول. تحاول أن تتجاوز الموقف ..تغير مجرى الحديث:
– نكرهها السيونس هاذي ..منفهم منها شي..
– صاعك باهية.. إنتي ميعجبكش لبروف هههه
– خليني ساكتة ..كل من جي داخلة لازم باش يقلي ” متأكدة..
تقاطعها فاتن ضاحكة : تقرا لهنا؟ هههه.
تضحك لينا أيضا محاولة نسيان ما أحزن قلبها وآلمه .
في قاعة الدرس
تجلس لينا تتأمل تارة ساحة الكلية من خلال شباك زجاجي صغير وتارة أخرى تلقي نظرة على فاتن التي بدأ عليها انتباه كبير للدرس ثم نظرة على الأستاذ المتقدّم في السن الذي كان يشير بيده المرتعشة إلى أماكن ومدن مختلفة على خريطة عُلّقت على الجدار.
تشارك فاتن في حماس. تجيب على بعض الأسئلة وتسأل أخرى مشيرة إلى الخريطة.
تتوالى التعليقات والملاحظات والتحاليل والتواريخ والأسامي ..
ترمش عينا لينا بسرعة.. ثم تشرد وتعود بذاكرتها إلى الماضي كعادتها.
فلاش باك
تجهز لينا حقيبتها للعودة إلى العاصمة.يأتي والدها مسرعا وفي يده خريطة.
سالم: شد هز معاك هاذي عيش بنتي.
لينا: شنوا هاذا؟
سالم : خريطة فيها الكيّاسات والأنهج و محطات الكيران والميتروات وكل شي..
تضحك لينا: ههههه بجدك تحكي ؟ محلاني مطلعّة خريطة وماشية بيها قدام الناس كالتيرويست.
سالم: آنو توريست متاعك؟ حطها في صاكك منين باش يشوفوها..على ما ياتي..بالك تستحقها..ماني معلّمكم تقراو حساب كل شي.
لينا: على مضض- باهي …هات..
تأخذ الخريطة، تفتحها، تبتسم ثم تبدأ في قراءة أسماء الأنهج والشوارع.
تأتي أختها سوسن: شنية هاذي؟ خريطة؟ شتعمل بيها؟
لينا: هو بوك أعطاهالي..قالك باش كان رحت نلقاها ..
يعود سالم مرة أخرى ، و في يده خريطة أخرى.
سوسن: لاااا.. امبوسيبل!!
– ههههه… تقهقه لينا: جاك بايك !!
سالم في غضب: شد !! حط في صاكك!! كلمة برك!! مانفهم شي!!
نخلي بناتي يريحو؟! ماتكلمو حد كان رحتو..أسهلو بوليس.. ولا امشيو أقرب محطة كيران ولا ميترو..هاني عملتلكم اشتراك في الكيران الكل!
تضحك الفتيات في هستيريا.
سوسن: هههه شفما المحطات الكل؟ ماشين نقراو ولا نحوسو ياخي؟
لينا: تي برّا برك..بالك نعملو برنامج علاش لا…
تأتي دينا. تمط شفتيها محتجة: وانا شبيني معنديش خريطة؟
تتعالى ضحكات لينا وسوسن.
سالم: اسكت انتي! شتعمل بيها؟
لينا: باش تلقى باب الليسي ..ههههه
سوسن: إيجا خوذها.. معندي منعمل بيها..ملا فضايح! محلاني هازة خريطة!
يزمجر سالم: قتلك حط فم!!
لينا: تي خوذها وفك علينا!
تحاول تهدئة الوضع.
تضعها سوسن بين أغراضها وهي تمتم في غضب.
في العاصمة
بعد أيام..
تنزل لينا من إحدى الحافلات. تتجول بين الشوارع والأزقة المملوءة بالناس.
تتوقف عند واجهة إحدى المحلات. ثم تلقي نظرة على ساعتها اليديوية الصغيرة.
إنها تشير إلى الساعة الخامسة لقد تأخر الوقت وعليها العودة إلى المبيت.
تتقدم في طريق مكتظة. تحاول لينا تذكر مكان المحطة.تخونها ذاكرتها. تتقدم ..تجول بعينيها في جميع الاتجاهات محاولة العثور على أي شيء يذكرها من أين جاءت. يتشوش عقلها أكثر فاكثر. تلتفت يمنة ويسرة في حيرة. لقد أضاعت الطريق. تتقدم لاهثة نحو الأمام ثم تعود أدراجها ثانية.
– يا ربي…منين المحطة؟ اففف. تقول و قد تمكن منها الخوف والهلع. يخفق قلبها بشدة.
تمشي لينا متفحصة الوجوه التي تعترضها في ذعر. بالنسبة لها الآن كل الوجوه غريبة. وجوه غريبة ذات نظرات خبيثة.تتكاثر الأفكار السوداء في عقلها. أفكار مخيفة. تضيق بها الطريق رغم وسعها. تضع يدها على صدرها.تلهث…تتنفس بقوة. تتوقف. لا تسمع شيئا الآن سوى صوت نيضات قلبها القوية.
تظل لينا واقفة هناك. فجأتا تسمع صوت رجل ورائها يناديها ..
يتبع…
انتظروا بقية أحداث الجزء الخامس… قريبا إن شاء الله
الكاتبة الروائية حنان الشلي
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة حنان الشلي
أضف تعليق