الجزء الخامس من روايتي “ذكريات لينا”
لقراءة أجزاء الرواية اضغط هنا –> رواية ذكريات لينا
الجزء الخامس:
تلتفت لينا فإذا برجل يقف وراءها يرقبها بعينين صغيرتين ذات نظرات حادة. كان أسمر اللون قصيرا ونحيفا ، يرتدي بدلة بنية وحذاء مهترءا.
تضل لينا تحدق فيه صامتة. تتذكر كلام والدها ثانية” متكلم حد”.
يرسم الرجل ابتسامة خفيفة على وجهه ثم يقول:
– لاباس يا بنية؟
– لا..لاباس علاه؟ تتلعثم لينا في ارتباك.
-شفتك من مقبيلك تمشي وتجي..قلت بالك مضيعة أدريسة ولا حاجة..
-أنا؟ لا..لا ..مضيعتش الطريق..لاباس عيشك.
– مثبتة؟ يتفحصها الرجل بنظراته الثاقبة.
تبتسم لينا..تمرر أصابعها الرقيقة بين خصلات شعرها الطويل في خجل: اي… مارسي..
ثم تبتعد عنه بضع أمتار مسرعة.
تقول في نفسها: قال الحق بابا ..واحد ميكلم حد ..شبيه هاذا شد ما سيب …افف
ثم تتذكر الخريطة.
تشعر بخفقات قلبها تشتد ..تفتح حقيبة ظهرها الجلدية وتخرج الخريطة….تفتحها في عصبية ولهفة..
تقلّبها في جميع الاتجاهات : تيّا عاد! ..فين آنا..ته..افففف..
تقرأ أسماء الشوارع.. تتسع عيناها في فرحة:
– آآه..أنا هنا معنتها..نمشي جيست القدام بعد ندور عاليسار ونلقى الشارع البرنسيبال..اممم ..باهي… تقول لنفسها…أوكي..
تنطلق لينا في الطريق المرسومة على الخريطة. تمشي ..ثم تمشي..لكن أين المنعطف؟ لا يوجد .
– زعما القدام؟؟ ولا فتّو وماشفتوش؟ تلتفت وراءها لاهثة.
ثم تنظر أمامها في يأس وقد نال منها التعب.
تلمح فجأة الرجل الذي تحدث إليها منذ قليل يمشي على رصيف قبالتها…تلتفت يمينا ويسارا..تقطع الطريق..تمشي فوق سكة المترو مسرعة لاهثة..ثم تركض نحوه..تقترب منه..
وتقول: دقيقة يا مسيو …
يلتفت الرجل. يجد لينا منحنية تمسك بركبتيها..تتنفس بقوة..
– آآه..آش بيك ؟ لاباس؟ يقترب منها..يسألها في قلق.
تقف لينا.. تبلع ريقها ..تقول شبه مبتسمة..
-حتى شي جريت شويا نحس في النفس تقطع..ياسر كراهب …ملقيتش كيفاه نشق الكياس..
– تتسع ايتسامة الرجل: نجيبلك ماء؟
لينا:
لا عيشك ..عندي ماء… جيست حبيت نسألك تعرفشي الرونبوان الي يهز لمحطة الكيران الي في الشارع البرنسيبال..
– معناها كنت ضايعة كيما قتلك…ههه يضحك…
تقطّب لينا جبينها:
شنوّا يضحّك؟
– حتى شي..
ترتبك لينا.. تحاول الإنكار:
– لا ..لا سافا..شفت في الخ…
ثم تصمت..
لاسافا …في بالي فما رونبوان لقدام ملقيتوش..تعرفشي منين؟..
يبتسم الرجل.
– انتي ويت تحب تمشي صاعك..
– أي محطة ..تقول في لهفة.
– أي محطة؟..اممم..
– أي ..أي محطة….كيران ..محطة كيران.. عجال المتروات منفهمش فيهم..
– فما لهنا..يشير بإصبعه إلى الأمام… محطة كيران قريبة..
أنا ناخو المترو من هنا باش نمشي لمحطة اللواجات أما كان تحب نوصلك لقدام نوصلك معندي حتى مشكل..
تتململ لينا قليلا..تعتصر الخريطة بأصابعها في توتر..ثم تقول: باهي..يعيشك..
تتسع ابتسامة الرجل..
– هيا بنية عمّي ..نمشيو مالطريق هاذا ..مشيرا إلى طريق فرعية ضيقة..نقصّو قصّة عربي نربحو بيها الوقت..
– -شنوا تعمل بنية عمي..تقرا؟
– -أي نقرا في الفاك .
– ماشاء الله
مايظهرش عليك..ههه…نحسابك تقرا في الليسي..
-هههه..تضحك لينا..ديما يقولولي هكا…
يخرج الرجل سيجارة ويشعلها ثم يواصل حديثه آخذا لينا بين أزقة ضيقة جانبية..
– انا توني جاي من البلاد.. عندي شوية قضيات لهنا وبعد نرجع عندي.. الشايب والعزوزة…مرضى شوية.. يتنهد ..والحمد الله واكاهو..
تومئ لينا رأسها معبرة عن تعاطفها معه.. تمط شفتيها في أسف- الحمدو الله …شمش تعمل…ربي يشفيهم..
– عيشك..عندك فلوس؟…
تنصدم لينا..شعور بالخوف يدب في أوصلها..تقول في نفسها
شنوا؟ !!!..يسال عالفلوس؟!! يمشيشي يبراكيني السخطة!!
– أه …لا و الله ماعندي حتى فرنك ..
– امممم..يقول الرجل..باهي…
تضغط لينا عالخريطة بأصابعها بقوة من شدة التوتر. تبلع ريقها..تراقب حينا الرجل الذي تنبعث منه رائحة غريبة وحينا الأزقة الضيقة والأبنية القديمة التي بناها المستعمر الفرنسي.
لينا: مازالت برشا بعيدة المحطة؟
يسحب الرجل نفسا من سيجارته..يبتسم..ثم يقول..ماتعرفهمش القصّات العربي هاذم اه..؟
تومئ لينا برأسها نافية وقد زاد توترها..
الرجل: متخافش هههه..هو وصلنا ..يشير بطرف السيجارة إلى الشارع الرئيسي..
تنتبه لينا إلى ذلك..تتسع عيناها فرحا..لقد وصلت..لقد نجت .. تتنفس الصعداء..
يمضيان نحو المحطة المكتضة بالناس.
يمد الرجل من سترته القديمة جريدة مطوية وقلما ..يكتب على طرف إحدى الصفحات أرقاما: هاذي نوامر الكيران الي حاجتك بيهم…كلهم يوصلو ..ايا خوذ ايه!
– أوك يعيشك..تقول لينا مبتسمة في امتنان..
– ستنى..يخرج من جيبه نقودا ..يضعها في كف لينا.. وهاو فلوس كان احتجت باش تقص تيكي في المترو..
– لا..لا..مرسي عليك..عندي اشتراك في الكيران الكل.. تحاول إرجاع النقود إليه..
– يرفض الرجل قائلا: قتلك خلي عندك..أيا بنيّة عمي فيلامان توا ..وربي ينجحك.. يبتسم ابتسامة عريضة…
تبادله لينا الابتسامة: يعيشك ..يعطيك الصحة..
يبتعد عنها رافعا إحدى يديه في الهواء محييا إياها ثم يختفي شيئا فشيئا بين حشود الناس…
تقف لينا صامتة …لقد أخطأت في حكمها عليها بناء على مظهره..
مازال الخير في الدنيا …تقول..
في المساء
في المبيت
في غرفة سلوى
سلوى: كيفاه!؟
تمشي مع راجل متعرفوش وتدور في الزناقي؟ كان خطفك؟
لينا: شمش نعمل ..ملقيتش حل آخر ..أما هكا وصّلني يعطيه الصحة ..واعطاني فلوس زادا باش ناخو المترو و كتبلي نوامر الكيران عالجريدة متاعو..
تنظر إليها سلوى نظرة يملأها الخبث –
وكيف نوا هالراجل؟ مزيان؟
– لينا: ههه.. تي …لا…راجل كبير.. أما ريحتو بيزار…
– كيفاه بيزار؟
– والله مانعرف حاجة قوية كأنها ألكول..فيكس..
– ووه..شارب؟ هههه تقهقه
– تشبيك؟! بشوية شفما الضحك هاذا الكل؟
في غضب
سلوى: يا لينا وخيّتي…شارب ؟ لاخي شبيك… كيفاه مشلقتش؟ مانا هاكا علاش عطاك لفلوس.. ههههههه موش نورمال هههه
لينا: شارب ولا موش خير ماك المنظر الي كان عندي..جبد بي وقت الي حاشتي بيه.. تقول في مرارة
تومئ سلوى برأسها موافقة : بالرسمي ..أي…
يُطرق الباب
سلوى: أهلا بيك …تسلم على فتاة طويلة ذات نظارات طبية..
تدخل الفتاة وتلقي التحية على لينا ثم تجلس على إحدى الأسرّة.
– تي وينك يا طفلة..
لينا : الحمدو الله ..
الفتاة : فما حفلة ليوم ..
سلوى: أي أي ..
الفتاة : سلوى..عندك سيشوار؟ ثم تنظر إلى لينا ..لينا سمّح روحك عاد ليوم وحط الحطة.. تو نجبدلك شعرك من بعد ..
تأتي سلوى بمجفف الشعر..
– شد ..شد… فيسع رجعهولي عاد
سلوى : أي منّو هكا لازم تسمّح روحك..هو ظهر عندك معجبين …ههههه…تغمز في خبث
ترميها لينا بإحدى الوسائد..
– مبلدك وما اركك !!…
– تي شبيكم ..وه..آنو معجبين؟ …تقول الفتاة في تعجب وفضول…
الساعة التاسعة
في المبيت
تأتي موسيقى صاخبة من وسط باحة جانبية بالمبيت…حشد من البنات يتراقصن أمام دي جي ..هتافات..زغاريد..صياح.
…أضواء خضراء وحمراء تضيء المكان تارة وتارة أخرى تختفي..
ترقص كل من سلوى ولينا والفتاة الطويلة على شتى الأنغام ..يتحدثن تارة بأصوات عالية وتارة أخرى يرقصن..
تدنو لينا من أذن سلوى وتقول في صوت عال : شوف شوف العسّاس كيفاه يشطح..هههه….
تقرّب سلوى أذنها أكثر من لينا: شنوّا؟ مسمعتش…
لينا- بصوت أقوى : العسّاس!!..شوف العسّاس!!
تلتفت سلوى نحوه..
يرقص الحارس النحيل وسط مجموعة من الفتيات تصفقن له وهو يهز خصره..ضاحكا في هيستيريا.. يقهقه جميع من حوله في جنون..
سلوى : هههه..يكب سعدو هههههه ملا حالة ..شوف شوف يا كوثر ! تهمز الفتاة الطويلة..
كوثر: تلتفت نحو الحارس ثم تقول …ووووه عليّ..مخيبووو ..معاش نحب نغزر ..خيت
تقهقه الفتيات وتتمايل من كثرة الضحك..
تتواصل الحفلة والضحك والرقص..تحدق سلوى في بوابة المبيت الحديدبة.. تتبادل النظرات مع كوثر للحظات ..
سلوى: لينا ..أحنا مش نطلعو دقيقة لبرّا تجي معانا؟
لينا : أه شنوا؟ مسمعتكش!!
تدنو سلوى منها أكثر وتقول شبه صارخة : طالعين ..طالعين لبرا! تشير بيدها نحو البوابة..
لينا : وين ماشين ؟
تمسك سلوى يد لينا تجرها خلف كوثر التي كانت تشق طريقها بين حشد الطالبات..
– امشي ..امشي..تقول للينا
تتبعها لينا ..تحدق بمن يوجد وراء البوابة.
كوثر : أهلا وينكم..
تمد يدها نحو شابين أحدهما طويل حاد النظرات والثاني قصير ذو لحية خفيفة ونظارات طبية.
تسلم سلوى بدورها عليهما ثم يأتي دور لينا.
تقول لينا في خجل : عسلامة..
الشاب الطويل: وانت بنت من؟ !
يضحك الجميع ويقهقه..ماعدى لينا تبتسم ابتسامة باهتة..
سلوى: هاذي لينا صاحبتي ..تقرى معايا..
يقول الشاب الثاني: مرحبا …
تومىء لينا برأسها ثم تشيح بناظريها عنهم في عدم ارتياح..
الشاب الطويل إلى كوثر : شنوا.. صاحبتكم ظاهر فينا معجبناهاش..
كوثر : لواه؟..
الشاب الطويل: “هاي سوسايتي” من جماعة” بابا وماما “ظاهرة منعجبوش أحنا..يحدق في لينا بنظرات ثاقبة …
تضحك سلوى : ههههههه…
كوثر؛ شبيك؟ ..
سلوى : شي … لينا .. شبيك مصهممة ؟ قلي .. ستنى ..ستنى متفليش قعدت تفكر في الراجل السكران متاع اليوم هههههههه
تتغير ملامح وجه لينا: شنوا؟ !!! تقول في غضب..
يحمر وجهها وتعود إلى المبيت مسرعة..
الشاب الطويل : اهه ..معاش” هاي سوسايتي”…هههههه… يقهقه..
كوثر : شبيها صاحبتك؟…
تظل سلوى صامتة…تتبع لينا عن بعد بعينيها الكبيرتين.
تدخل لينا إحدى المباني …تشعل الأضواء الأوتوماتيكية ثم
تصعد الدرج في خفة .. تقترب من غرفتها ..تنطفىء الأضواء ..يخفق قلب لينا …
– اسم الله …ته …
تعود إلى الوراء..بضع خطوات ..تتلمس الحائط باحثة عن زر الكهرباء.. تشعل الضوء …تلتفت لينا من حولها..افففف ..تتنفس الصعداء…ثم تفتح باب غرفتها وتدخل مسرعة قبل أن تنطفىء الأضواء ..
تستلقي لينا على الفراش …تحدق في السقف..
لكنها تسمع طرقات خفيفة على الباب..
يخفق قلب لينا مرة أخرى…
– شكون ..؟ تقول
يّطرق الباب ثانية …
– شكون ؟ تعيد الكرة …لا مجيب …
يدبّ الخوف في أوصالها..تقترب من الباب …
تعود الطَّرقات…
تبلع لينا ريقها…تمرر أصابعها بين خصلات شعرها في توتر:
– شكووون…؟
لا مجيب…تضع لينا يدها عالمقبض .. وتفتح الباب…
يتبع…
انتظروا بقية أحداث الجزء السادس… قريبا إن شاء الله
الكاتبة الروائية حنان الشلي
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة حنان الشلي
أضف تعليق