في الرِّيفِ، حيثُ الطِّينُ يُنبتُ صبرًا، والقلوبُ تُزهِرُ في صَمتٍ وسَماحٍ، وُلدَتْ أُمِّي… تَحملُ الشَّقاءَ كأنَّهُ راحةٌ، وتَسقي الدُّنيا أملًا وارتياحًا. ما عرَفتِ النَّومَ إلّا عَلى وَجعٍ، ولا نَطقتْ إلّا دُعاءً في الصّباحِ. هيَ سَيِّدةُ الكَدحِ، ومَلكةُ العطاءِ، ونَبضُ الحياةِ إذا ما اشتدَّت الرِّياح.
بِسِماتِها البِكرِ الجَميلَةِ تُزهِرُ
والطِّيبُ في وَجناتِها لا يُنكَرُ
تَسقي الزُّروعَ، وتَحفِرُ الأَرضَ الَّتي
غنّى الهَواءُ بصَبرِها وتفكَّرُوا
تَمشِي كَأَنَّ الأَرضَ تَحمِلُ خُطوَها
والشَّمسُ مِن ضِيِّ مَحْيِها تَتَسَطَّرُ
تَحمِلُ عَلى ظَهرِ المَشَقَّةِ وِجهَةً
لَكِنَّها في كُلِّ عَينٍ تُبصَرُ
وتَطبُخُ لأهلِ البَيتِ حُبًّا خالِصًا
والرِّيحُ مِن طِيبِ العَبيرِ تنثُرُ
وتَغيبُ فَوقَ السَّطحِ تُرتِّقُ ما بَقي
مِن ثَوبِها المُتَهالِكِ المُندَثِرِ
عَيْنٌ تُجاهدُ، والأُخرى لا تَرى
إلّا دُعاءَ الفَجرِ حينَ يُسَفِّرُ
يا رِيفِيَّةَ الحُلمِ، يا أُمّي الَّتي
مِن صَبرِها نَسَجَ الزَّمانُ المِفخَرُ
حَملتِ جِيلًا مِن كِفاحٍ صامِتٍ
وصَنَعتِ مِن صَمتِ الجُراحِ جَواهِرَ
فَسلامُ قلبٍ لا يَزالُ يَراكِ في
صَدرِ الحَياةِ نَقَاءَ نَجمٍ يُذكَرُ