56 تقترب القصة القصيرة من بين كل الأجناس الأدبية التي عرفها الإنسان، لتبقى الأقرب إلى روح الحياة اليومية. ربما لأنها تشبهنا في بساطتنا، وفي بحثنا عن معنى يختبئ داخل تفاصيل صغيرة لا ينتبه لها أحد. فهي لا تحتاج إلى مقدمات طويلة، ولا إلى أحداث متشابكة؛ يكفي أن تلمع فكرة في ذهن الكاتب، أو أن يلفت انتباهه مشهد عابر، حتى يجد نفسه يكتب حكاية كاملة دون أن يقصد ذلك. القصة القصيرة تعتمد على اللحظة أكثر مما تعتمد على الزمن. على انفعال صادق، إحساس مفاجئ، أو فكرة تخترق السكون. وهي لا تروى بالضرورة لتدهش، بل لتقول شيئا حقيقيًا، شيئا يخص الإنسان في ضعفه وقوته، في وحدته، أو حتى في خوفه الصغير. وغالبا ما يكتب القاص نصه وكأنه يلتقط صورة بكاميرا يدوية؛ الصورة قد تهتز قليلا، قد لا تكون ملساء أو كاملة، لكنها صادقة، وتحتوي على شيء لا تتقنه العدسات الحديثة: الروح. وهذا ما يميز القصة القصيرة الحقيقية؛ أنها لا تبحث عن الكمال، بل تبحث عن الصدق. ولأنها فن مبني على الاختصار، فإن كل كلمة فيها تحسب. لكن الكاتب لا يفكر في ذلك بشكل مباشر؛ هو فقط يحاول أن يقول ما يشعر به، ويحاول أن يحافظ على حرارة الفكرة كما جاءته أول مرة. لذلك تبدو القصة القصيرة، في أغلب الأحيان، أقرب إلى نبضة منها إلى سرد طويل. نبضة تحمل معها دهشة صغيرة، أو سؤالا، أو ذكرى لم يستطع الكاتب التخلص منها. ولعل أجمل ما في هذا الفن أنه يجعلنا نرى أن لحظة واحدة يمكن أن تصبح عالما كاملا حين تكتب بشكل صادق. وأن الأشياء التي نمر بها كل يوم، دون أن نلتفت إليها، يمكن أن تتحول في يد الكاتب إلى نصّ يحمل معنى، أو يوقظ إحساسا كان نائما في أعماقنا. وهكذا، تبقى القصة القصيرة فنا بسيطا وعميقا في الوقت نفسه…فنّا يكتبه الإنسان بقلبه قبل قلمه، ويقرؤه الآخرون وكأنهم يعثرون على جزء صغير منهم داخل الأسطر. الشاعر والكاتب وليد سرنان