325 جاء السائح الألماني إلى تونس بحثًا عن شمسٍ دافئة وصحراء صامتة، ولم يكن يعلم أنّ القدر يقوده إلى مدينة لا تُشبه المدن… بل تُشبه قلبًا مفتوحًا على العالم. دخل توزر كمن يدخل حكاية، فالواحات كانت تلوّح له بخضرتها، والنخيل ينحني قليلًا احترامًا لغريب جاء من آخر الأرض، والقصور الطينية تهمس له بلغة لا تُفهم… لكن تُحَسّ. كان يظن أنه زائر لأيام، فإذا بالأيام تزوره، وإذا بتوزر تمدّ يدًا من دفء، وتُخبره بلا كلمات: “من يدخلني مرة… لا يغادرني أبدًا.” تجوّل بين أسواقها، شعر أن الوجوه تعرفه، وأنّ الأطفال يبتسمون له كما لو كان جزءًا من الصورة، وأنّ النسيم القادم من الجريديحمل شيئًا يشبه الطمأنينة التي لم يعرفها في بلاده. وفي ليلة هادئة،وقف أمام سماء توزر المرصّعة بالنجوم،وقال في نفسه: “هذا المكان لا يُرى بالعين… هذا يُرى بالقلب.” هناك، تحت القمر،أدرك أنّ الحقيقة لا تُسافر،بل تنتظرنا في مدينةٍ كانت تُناديه منذ زمن.فأسلم قلبه قبل أن يُسلم اسمه،وصار واحدًا من أبناء الواحة،يصلي بين النخيل،ويحفظ طرقات المدينة أكثر مما يحفظ شوارع طفولته. لم يعد ألمانيًا…صار جريديًا بالقلب والروح،كأنّ النخيل أعاد تشكيل روحه،وكأنّ الواحة أعطته وطنًا جديدًاانبثق من يقينٍ وسلامٍ ودهشةٍ جميلة. هكذا، علّمته تونسأنّ الأوطان لا تُورَّث…بل تُحبُّ حتى تسكن في النّخاع.