الصفحة الرئيسية قصيدة النثر سعيد إبراهيم زعلوك يكتب “ربما نحن، أخيرًا، بلا أقنعة!!”

سعيد إبراهيم زعلوك يكتب “ربما نحن، أخيرًا، بلا أقنعة!!”

نص شعري بعنوان "وراء الكلمات"

92 مشاهدات 1 دقائق اقرأ

تقديم النص الشعري:

هذه القصيدة تتنفس من عمق الوجدان وتتحرك في فضاءٍ بين القول والصمت، بين ما يُقال وما يُخفى، حيث تتخذ الكلمات وظيفة رمزية تتجاوز ظاهرها إلى ما وراء المعنى، إلى تلك المساحة التي يسكنها الخفاء والتأمل والبوح المقموع.

يفتتح الشاعر نصّه بصورةٍ مدهشة: «صمتٌ يلتف حول روحي كخريف بلا أوراق». إنّها استعارة لفراغٍ داخليٍّ ملوَّن بالحزن، حيث الخريف هنا ليس فصلًا بل حالة وجودية تُمثّل انطفاء الحيوية وذبول المعنى. هذا الصمت الأحمر الذي “يحمل وجعًا” هو حضور الغياب، واحتراق الداخل الذي لا يجد مفرًّا في النطق.

في المقطع الثاني، يتحول الصمت إلى كيانٍ حيّ، إلى أشباحٍ تجوب السطور، تمارس فعل الكتابة الخفيّ وتترك أثرها في النصّ. هنا تتجلّى ثنائية الغياب والحضور؛ فالأشباح رمز لما تبقى من مشاعر لم تجد صياغتها، وما الشوق المزروع في القلب إلا نداءٌ للآخر الغائب، ذلك الذي يفصل بين الذات والعالم بجدارٍ من العمق الذي لا يُقال.

ثم يرفع الشاعر الحجاب بين الأنا والآخر في قوله: «أنا هناك… وأنت هناك». هذه الوقفة المزدوجة تكشف عن اتحادٍ غامضٍ في المسافة، حيث يتحوّل الحرف إلى مرآةٍ تعكس ما لا يقال. بين “كل هزيمة وابتسامة” يُقيم الشاعر مسافة شعرية تُجسّد التجربة الإنسانية بكل تناقضاتها: الألم والفرح، الفقد والرجاء، الصمت والبوح.

وفي الختام، تتسامى القصيدة إلى مقام الكشف: «وربما الحقيقة، ربما الصمت الذي يبوح أكثر مما نجرؤ نحن على النطق». هنا تبلغ اللغة أقصى درجات صفائها الفلسفي، فالكلمة تُصبح صمتًا، والصمتُ يُصبح أبلغ من القول. في هذا الفضاء النوراني، يتحقق اللقاء “حيث لا نهاية للضوء، ولا نهاية للكلمات”، أي في منطقةٍ يتلاشى فيها التقابل بين الوجود والعدم، وتغدو الكتابة خلاصًا من الوجع وولادةً للمعنى المطلق.

إنها قصيدة تتأمل اللغة ذاتها، وتستكشف حدودها وقدرتها على احتواء ما لا يُحتوى. نصٌّ يُشبه تأملًا في مرآة الروح، حيث الكلمات ليست غاية، بل وسيلةٌ للعبور نحو الحقيقة الصامتة… [نيابوليس الثقافية]

النص :

وراء الكلمات،
صمتٌ يلتف حول روحي كخريف بلا أوراق،
يحمل وجعًا أحمر،
ويخفي ما لم تجرؤ أنفاسي على قوله.

وراء الكلمات،
أشباحٌ بلا عنوان تجوب السطور،
تزرع الشوق في حنايا قلبي،
وتهمس: كل ما بينك وبين العالم
أعمق من أي حديثٍ مسموع.

وراء الكلمات،
أنا هناك… وأنت هناك،
كل هزيمة وابتسامةٍ
ما بين حرفٍ وحرف،
ينتظر أن يُقرأ بلا صخب.

وراء الكلمات،
ربما الحقيقة،
ربما الصمت الذي يبوح أكثر
مما نجرؤ نحن على النطق،
ربما نحن، أخيرًا، بلا أقنعة،
نلتقي حيث لا نهاية للضوء،
ولا نهاية للكلمات.

  • شاعر مصري
    سعيد إبراهيم زعلوك، شاعر مصري معاصر وُلد في الثامن عشر من يوليو سنة 1984، وينحدر من مركز الرحمانية بمحافظة البحيرة في مصر. تخرّج في جامعة الأزهر حاملاً ليسانس اللغة العربية، فاختار أن يجعل من الكلمة مسكنه، ومن الشعر رسالته. يكتب في مجالات متنوّعة تجمع بين الوجدان والهمّ الوطني والسياسي، كما ينفتح على النثر الفني بروح متوثبة، منحازة دائمًا إلى الإنسان وقضاياه. ومن أبرز مشاريعه الإبداعية "رسائل لم تُكتب – سيرة قلب في العتمة"، وهو عمل شعري يلامس عمق التجربة الإنسانية، ويمزج بين معاناة الروح، وجراح فلسطين، وأصداء الحنين، وحبّ يظلّ نبيلاً في حضوره. انتشرت له نصوص عديدة عبر المنصات الإلكترونية مثل: حبيبتي... مصر، قالوا، لا أحد... حين ينهار الضوء، حديث مع العرّافة، أنتِ أنثى حارقة، ولا تبدأ القصيدة بالبكاء على الرماد. جميعها تشهد على لغة متينة وصياغة عميقة الإحساس. يشارك زعلوك بفعالية في المنتديات الأدبية، خاصة "المنتدى العربي للنقد المعاصر"، فيما يواصل عمله على إصدار مجموعته الشعرية الأولى. وهو شاعر يؤمن بالصدق في الكلمة، وبقوة الشعر في مقاومة الخذلان، صانعًا من الحرية والكرامة والإنسانية أجنحة لقصائده.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا