الصفحة الرئيسية خواطر روضة نعمان تقدم نص نثري بعنوان “حنين”

روضة نعمان تقدم نص نثري بعنوان “حنين”

303 مشاهدات 1 دقائق اقرأ

أحمل كل ما تبوح به،
أحمل كل أعذارك في سلة الذكريات.
أرتدي ردائي الأحمر،
أبحث عن أقصر طريق يأخذني لدار جدتي
دون أن يلتقيني ذئب ليلى.

كان عمري خمس سنوات،
أُسامرها ليلًا
على ضوء قنديل زيت
أو قنديل “كارابيلا” عند الجفاف.
أغفو تمامًا على ركبتيها،
تقصّ عليَّ
قصة السلطان والجميلة.
أحاذيها فوق السِّدّة
وأغوص في نوم عميق.

جميلة أنتِ يا جدتي
كما كل الجدّات.
آه يا جدتي…
أنا أيضًا صرتُ جدّة،
أُدثِّر أحفادي بكفّي دون برد،
أُغطيهم عن المطر والسماء لا تمطر.

البارحة يا جدتي
لم تكن ليلة عيد،
لكن انتابني حنين حزين
كحنين ليلة العيد
في سنوات مضت؛
حنين لوسادتك،
حنين لضحكتك،
حنين لدفئك،
حنين للسدة،
لردائي الأحمر،
حنين لطرقات على بابك العتيق.

لقد كبرتُ يا جدتي…
صرتُ أُخبّئ دمية قماشية خلف الباب،
أعود إليها،
أُحدثها،
أُخبّئ بعض الحلوى لحفيدتي
مغمسة بالحب.

أجلس أمام كتبي،
أرتدي نظارات طبية،
أقرأ حكايات ألف ليلة وليلة،
وفي أوقات حنيني
أعيد قراءة رسائلي الورقية…
رسائل الحب.

الآن فقط عرفت
لماذا لم أتخلص منها،
وأبحث عن طفولة
في ألبوم صور.

كبرتُ يا جدتي،
وما زالت نصائحك في أذني،
تسكنني كجدار شائك
بيني وبين المناطق المحرّمة.
نصائحك صنعتُ منها عقدًا لحفيدتي،
وصايا ونصائح
كان يخجلني انتهاكها.

عودي يا جدتي،
علّميني كيف أوقد مصباح الذكريات،
كيف أصعد السدّة.
عودي وأخبريني:
ماذا فعل السلطان بجميلته؟

ما زلتُ – وقد غزت التجاعيد سِحنتي –
أبحث عن حكايا بيضاء
أحافظ بها على عُقدي وضُعفي
حتى لا أجتاز ذلك الجدار.

لا تخافي يا جدتي…
سأختار دائمًا عقدي وأجازف.
امرأة أنا
في نضجك،
في حنانك،
لم تعد تخيفها ذئاب الغابة.

فقط…
ما زالت تخرج مني كل ليلة
طفلة صغيرة
تبحث عن دميتها القماشية
في اتجاه بيتك القديم،
وتطرق أبوابًا مهجورة…

  • كاتبة تونسية
    مساعدة بيداغوجية للّغة العربية، وأستاذة مميّزة فوق الرتبة في التعليم الابتدائي، كرّست سنواتٍ طويلة لخدمة التعلّم وبناء جيلٍ يرى في العربية وطنًا للحرف والجمال. بخبرتها التربوية وحسّها الإنساني، جعلت من القسم فضاءً يحتضن الموهبة ويُنمي حبّ اللّغة لدى الناشئة. تكتب النثر والخواطر منذ سنوات، بنبرة دافئة تنطلق من أعماق التجربة الإنسانية، وتلتقط التفاصيل الصغيرة لتصنع منها نصوصًا مفعمة بالشفافية والدهشة. ولأن القراءة كانت رفيقتها الدائمة، فقد كوّنت ذائقة أدبية رفيعة جعلتها أكثر قربًا من جماليات السرد والشعر. ولها محاولات في كتابة القصة القصيرة، تنسج فيها رؤى إنسانية تتقاطع فيها المشاعر مع التأمل، لتخطّ طريقها بثبات في المشهد الأدبي. صوتٌ هادئ، لكنه عميق، يواصل النضج والتوهج عبر الحرف.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا

سجّل اسمك وإبداعك، وكن ضيفًا في محافلنا القادمة

ندعو الأدباء والشعراء وسائر المبدعين إلى أن يُضيئوا حضورهم بيننا بتسجيل أسمائهم وتعمير الاستمارة التالية، ثم النقر على زر «أرسل» ليكون اسمكم ضمن قائمة الدعوات إلى تظاهراتنا الثقافية القادمة — حيث يلتقي الإبداعُ بنبض الحياة، وتُصاغ الكلمةُ في فضاءٍ يليق بكم وبأحلامكم.