368 كيف تتشكل خيوط الفن؟وعلى أيّ أسس يرسم الرسام لوحاته؟أين مكان الألم في نقل الجمال؟ وهل الذائقة الفنية وجدانيةٌ حسية،أم فكريةٌ جمالية؟ وهل الرسم مجرد ربط خيوطٍ لحكايةٍستولد من رحم الجمال،أم أنه إجهاضٌ يسابق التجربة؟ فما امتزاج الألوانإلّا ثورةٌ تموت فيها الحقيقة،وتغيب فيها الكلمة الأولىعن شعورٍ لم نتعرّف عليه بعد. أم أنه حالةٌ من التماهي المطلق،حدّ الأعماق،مع شيءٍ غريبٍ يقيد الحركة في تحركاتها المتموجة،لينقلها من العدم إلى الحياة،لنورٍ يشاكس حدسَ فنانٍ أضاع بوصلته،فبحث عنها في وجوه المارة؟ أعتقد أن هذا لم يكن ذا درجةٍ كبيرةٍ من الاهتمام بالنسبة لي،فلقد قادني التفكير المستمرإلى مناطقَ محظورةٍ على الإنسان العادي،أي عند نزع صفة الفنان عنه. ووجدت أن مصطلح الاستغلال الفنيتعبيرٌ مبتذلٌ لا يرتقي إلى المستوى المطلوب،ولكن معي حصل العكس،كان استغلالًا لملامحي التي لم ترَ النور،طمسًا لذاتي،وقتلًا لعفويتي،ونكرانًا لكياني كامرأةٍ جُرحت في كرامتها،وأُهينت في كبريائها. غمرني هذا الشعور عندما جلست أمامه للمرة الأولى.أنا لا أنكر أنني كنت مغرمةً به،وأعرف بيني وبين نفسي أنني اقترفت خطيئةً دنيئة،لكن تعامله الجاف ولّد لي حقدًا لم أفهمه،لأنه كان يُلغي كياني كإمرأة،ويتعامل معي كموضوعٍ فني. ينتابني أحيانًا شعورٌ بأنني لا فرق بيني وبين شجرةٍ أو نهر.كنتُ أداته التي يستخدمها في اغتصاب أنوثتيبألوانه، لا بإحساسه. أعاتب نفسي:كيف ألعب هذا الدور الذي لا يليق بي كامرأةٍ جميلةٍ ومثقفة،مع رجلٍ يعترف في كل مقابلاتهعن مدى حبه وإخلاصه لزوجته؟ صحيحٌ أن قصة حبهما شغلت الجرائد والصحف لسنواتٍ عديدة،وعندما كنت أذهب إلى منزله،كانت تستقبلني زوجته وهي مبتسمةٌ ترحّب بي. ألمح في عينيها قوةً وطغيانًا لامرأةٍ واثقةٍ من نفسها،ومتأكدةٍ من أن نزوة زوجهاما هي إلا مراهقةٌ لشابٍ عشرينيٍّيتركها حال دخوله إلى بيته. لا أدري إن كانت هي هكذا فعلًا،أم أنها تتظاهر أمامي،لم أفهم مدى قدرتها على تقبّل هذا الوضع.كان عمل زوجها بمثابة استباحة دم الجمال في بيتها،أمام أعينها! أيُّ اتزانٍ تملكه هذه الزوجة؟ ذات مساءٍ شتوي،كان الجو مناسبًا ربما لأقترف شيئًا غير معتاد،فلقد مللت الجلوس أمامه كقطعة حجر. قررت أن أقوم بدور المرأة اللعوبالقادرة على الوصول إلى ما تريد،وهو الكشف عن مضمون تلك العلاقةالتي لم أقتنع أنها تحمل قداسةً فنية. الغريب في الأمر أنه لم يمنعني من ذلك!أحسستُ لأول مرةٍ أنه ينظر إليَّ كإمرأة، لا كموضوع.ولكن كيف سيتحول هذا الإغراء إلى تعرٍّ داخلي؟ أنا ببساطة أبحث عن الجوهر،أريد الولوج إلى الداخل لكي أترك بصمتي الخاصة. لم يكن الأمر مرتبطًا بأن أقف عاريةً أمامه،فجسدي مهما بدا جميلًافهو لا يمثل له إلا جانبًا من الجوانبالتي هو وحده يعرف الكشف عنها من خلال ريشته. فهو محاطٌ بالمعجبين،وجلست أمامه أجمل نساء العالم،ولكن هل استطاعت امرأةٌ أن تنفذ إلى داخله؟أن تستوطن مساحةً من مشاعره؟ كدت للحظةٍ أنسى أنه متزوج،وهذيت كثيرًا،كان يسمعني فقط،وينظر إليَّ نظرةً لا أستطيع شرحها. لا أدري:هل كنتُ في نظره ضعيفة، جبانة، أم حقيرة؟وهل زالت تلك الهالة الجمالية التي رآها فيَّ عند أول مقابلة؟ لا أعرف حقًا… نهض وقال لي:“سنكمل اللوحة غدًا.” سيطر عليّ شعورٌ حزينٌ لم أشعر به سابقًا،ممزوجٌ بالمرارة والخذلان. فلقد قيدني عندما رسمني،أما الآن فقد قتلني عندما تجاوزني.