375 تقديم النص: هذا النص يفيض شجنًا وعصفًا وجدانيًّا، ينهل من نبع العاطفة المجنونة التي تتصارع بين الحب والفقد، بين الحضور والغياب، بين الأمل والخيبة. هو مونولوج داخلي متخم بالتوتر، تتحدث فيه الذات الشاعرة بصوت الريح المجنونة التي وجدت نفسها وقد أُغلِقت في وجهها النوافذ، ففقدت مداها وانهارت في زوبعة من الحنين والتمرّد. يبدأ النص باستفهام يفتح على الغموض والمرارة: “عن أي أمد تتحدث؟”، وهو سؤال يختصر مأساة العلاقة التي انتهت، ويؤكد أن الأمد الحقيقي لم يكن سوى زمنها معه، زمنٍ ضاع، فتاهت فيه السبل، وامتلأ الصمت بالموت والقتل الداخلي. هنا ينهض البعد الوجودي للنص؛ فالحبيبة لا تتحدث عن علاقة فقط، بل عن حياتها التي انطفأت حين أغلق الآخر نوافذه. يتحول النص بعد ذلك إلى سردٍ شعريٍّ لذكريات الانصهار؛ حيث كانت “ريحًا مجنونة” بعثت الحياة في القفر، فامتلأ الكون بالعشق والنور، وصارت الشمس شمسهم وحدهم. هذه المقاطع تتخذ إيقاعًا احتفاليًّا، يزدان بصورٍ كونية (الشمس، المطر، الأفق، القصيد) تعبّر عن وحدة الوجود بين العاشقين. غير أن هذا الصفاء لا يدوم، إذ تنكسر الصورة حين يطلب الحبيب العودة إلى الوراء، فيتحوّل النص إلى رثاء لعلاقة فقدت معناها. من منتصف النص، يتبدّل الإيقاع إلى عصف داخلي: تصير الريح المبدعة زوبعة مدمّرة، تبحث عن نوافذ تحطّمها كي تستعيد نفسها. الغضب هنا ليس عشوائيًّا؛ بل هو صرخة كائنٍ جُرّد من ذاته حين حُرم من الحبّ الذي كان مرآته. وحين تقول: “أحتاجك… أحتاج نافذتك”، فهي لا تطلب عودة الحبيب فحسب، بل تبحث عن استعادة كيانها الممزق. أما في الخاتمة، فيكتمل التحوّل المأساوي. الريح التي كانت حياةً ودفئًا صارت غبارًا وخرابًا، بعد أن استبدلها الحبيب بـ“نسيمٍ عليلٍ” خالٍ من الجنون والشغف. وهنا يبلغ النص ذروته الرمزية: فالعشق في جوهره ليس راحة بل احتراق، ومن يخاف الاحتراق لا يستحق أن يكون مهبًّا لريحٍ عاشقة. النص إذن تجربة حبٍّ فادحٍ ووعيٍ بالخذلان، تذوب فيها اللغة بين الشعر والنثر، بين الخطاب العاطفي والاعتراف الوجودي. هو نصّ عن امرأةٍ فقدت صوتها حين صمت الآخر، فكتبت لتستعيد أنفاسها، ولتقول في النهاية: إن لم تفتح نافذتك لريحي المجنونة، فستبقى الريح تبحث عنك… فيّ… [نيابوليس الثقافية] النص الشعري: عن أي أمد تتحدثعن أمدي معكعن سبلي التي تاهت معكأي أمد تطيقوكل ما حولنا يعلن الصمت والقتلما عدت أطيق قتليلم أعتد صمتاأرى روحي تزهق وأنا أسلمهاأراها تريد نفسا وأنا أمنعهاأطبقت عليها حجرةلا تطلب مني صمتافالصمت لم يُخلق لي كنتُ ريحك المجنونةفتحتَ لي نافذتكجددتُ هواء القفركنتَ جذلاكنتُ بين ثناياك أسريكنتَ تتشربني وتغرق في مائيكنتَ تتضلع بماء روحيحتى تركنا القفر وطرناجبنا السهول والبحارغرقنا في بحور الشعر والقصيدحتى المطر كان برذاذه يحييناتلك القطط الجميلة تحييناغنينا وتلثمنا عانقنا الأفقاستبحنا الليل حتى لم يكنوعانقنا الشمس حتى صارت شمسناصباحات ملأناها بصدق اللقاءكان الفضاء عدما أو هكذا رأيناهكل المدى لناتعدلت بوصلة العالم مع وقتناهاجر الجميع وترك لنا الكونصار لنا وحدنافإذا بك تطلب العودة تطلب عودتنا لمن؟تطلب صمتي؟تطلب أن تخرج روحي؟تطلب أن أكتم أنفاسي؟كيف طابت نفسك بإزهاق ثرثرتي؟كيف غبت عن حواسي؟صار الليل أطولصار المدى أقصرحتى بكائي لم تسمعشمسنا تنظر إلينا بحزنتنتظر صباحاتنا المملوءة بالشكر والحبلم أعد أرى مكانيتهت في زمانيغابت أناشيد الوجدصرت اليوم أبعد وأبعدوالخوف يسكننيأقفلت نافذتك وطلبت من جنون ريحي الهدوءسكنت ريحيوصارت غبارا على كتبكعلى جنبات قلبكعلى رفوف مكتبتكفتحتُ الباب وخرجتْلم أعد أشتم رائحتكصرت أحدث زوبعات في الطريقصرت أبعثر كل ما يمر بطريقيأحاول كسر زجاج النوافذأحطم ما أجد في طريقيجنوني فاق التصورحملت في طريقي كل أوراق الشجرعلني أهدألكن عبثاأحتاجك أحتاج نافذتكتدخلني من جديد فيهاوتهدئ من زوبعتيتهدهدني بجانبكأتكئ على طاولتكأمسك دفاتركأنفض غبار ألميتمسح دموعي دون خوف من الرجوع لمتاهتيأريد السكينةأريد الماءفأنا عطشىرأسي يئنأيا تعبي يا أناياأغلق نافذتكلا تتوقع للريح أن تهدألا تطلب منها هدنةأغلق نافذتكفهذا النسيم العليل يبهجكفضلته عن ريح مجنونةصرت تتنسمه بشذا العطورصار يغريصارت ريحي أبشعصارت تبعثر المكانزوبعاتها تزعجكوما قدرت على تهدئتهاكل كلماتي تعجز عن وصفيكل القصائد تنعتنيكل بحور الشعر تلقينيكان عبقك يسري في خلجاتيكنت أنام وأشم رائحتكيهدهدني صوتكترقينيتحرسنيتفنيني يا أناياكنت طوقا من ياسمينكنت طوقا يحيط بيكنت تلتف حوليتقودني لعالم السحر الذي لم أزره يوماصارت خلايا جسدي المريض تحياصارت ابتسامتي تعلو السماءصارت ضحكاتي تطير في الأفقصار الأمل أطولصار اليوم أجملحتى أنني صرت الأجمل على الإطلاقصار بريق وجهي كشمس الشتاء الدافئةصارت عيناي تتقدان شرر الحب والفرحكنت أكلم السحب وأناجي المطر وأحكي للزهرصار الجميع حبيبيصار الكل صديقيذاك الشجر كنت أحدثتلك القطة الجميلة كلمتها حادثتها صادقتهاأخبرتها عن سعادتي التي وجدتعن حب لا كحب البشروددت لو أن لي قارورة سحرية أخبئ فيها عطر جسدككان لحافك كما أزهار الياسمين تنشر شذاها حوليكنت أشمه وألثمه وأنام أغلق نافذتك عن النسيمالنسيم البارد العليلصرت أخاف أن تستجم فيه وتنسى ريحك المجنونةوددت لو حملت السماء أدمعيكتبت حروفي بماء دموعييجف الحبر ولن تجف دموعيألقاك حين ألقانيفلم أعد أقوى المزيد