الصفحة الرئيسية قصيدة النثر عمر سبيكة يقول “أنا شاعرٌ يعاند الفناء!!”

عمر سبيكة يقول “أنا شاعرٌ يعاند الفناء!!”

نثرية بعنوان "صعود إِلى قرارة السّؤالِ"

142 مشاهدات 2 دقائق اقرأ

أرهقه الصعود،
كلما علا،
علاه طود،
كلما رمى ورامى،
راماه الجنود.

شاعرٌ يعاند الفنا،
يلدّ،
شاعرٌ مداده يريد،
حين غمّه الرماد،
ظنه العساكر ردى،
وربما ردى الشهيد،
ربما أراد،
لم يمت لأنه يريد.

هل تلفّت الزمان حوله؟
وهل تلفّت الزمان والمكان دونه؟
وعنَّ بالجنان دَيدَنٌ عنيد.

ربما تغمّد الضجيج غنّةً أذاعها وغار،
ربما تقعّر،
وربما تكبّر،
وربما تكلّم،
وربما تفهّم،
وربما تبهم،
وربما تبسّم،
وربما تفكّر،
وربما تذكّر المجازر فدمدم.

قدامه الأشلاء دونما سما،
قدامه الأشياء أينما ومى،
قدامه الأوطان دونما حِمى،
قدامه الأحلام عادت من سماء،
لا عنان يعتلي سؤالها.

تساءل السؤال،
كلما نسا،
تجهّم الزمان بينه وبين ما رأى.

تذكّر العواصف مهتاجةً،
لما تذكّر بكى.

الأرض تنهض،
وينهض الشهيد من رفاته،
وينهض الوليد من دموع أمه.

أراد أن يلامس السراب،
فسكّروا المناهج،
سكّر العساكر المباحج،
وسكّروا مداخل المخيم،
وسكّروا المخارج.

تسكّرت مخارج الحروف في بيانه،
ففجّر المقاوم القيود،
فجّر الظلام،
طيّر الكلام،
الكلام طائر يشق معقل الحمام.

كلما تذكّر،
تساءل السؤال:
هل بادت عادٌ بيدُ؟
أم ترى أبادها العناد؟
هل أباد هود والشهود قومهم؟

هل أزيد؟ لا أزيد.
قد أفاض الشاعر في وصفه،
إذ حفّ حول ما بدا وحول ما خفا.

أرهقه الرحيل،
العواصف الهدود،
أرضه تميد،
غمّها الطوفان،
كلما علا،
أباده الجلاد.

غمّت الصدى الأجراس،
والأصفاد،
لا بد لها أن…

ثم نادى،
ثم نادى،
ثم نادى،
ثم ناجى بالدجى،
إذ شاف بالظلماء طيفًا صاعدًا
من هضبةٍ لاجئةٍ في قفره،
لاجئةً في قاع همسه،
توشوش،
تردّد الصدى، تصاعد.

وكلما تضاءل الصعيد،
كلما نسا،
تذكّر الحكاية،
حكى إلى الجدار،
ربما بكى الجدار،
ربما الأحجار صاحت،
ربما النهر ألاح،
ربما تذكّر.

تناسَى الماء ما ناساه،
كلما دلَا الدلو سقاه،
كلما ندا،
حدا إلى الوادي،
يُبادي وجهه البادي.

تذكّر بداوة الرؤى،
فما رأى،
وما نأى.

استدرج المعراج،
علّه يلامس الوعود
كلما ومى له القصيد.

استقر بالمعاجم،
يقشّر المقاصد،
يعاند.

أرهقه الصعود،
كلما خلا إلى صلاته،
هانت له الوعود،
شافها،
شَهِي وصالها،
صلّى قبالة التلال في رحابها،
وسلسل التوسل،
تساءل،
سلى.

أسنى له الظل مخاتلا،
تلا قرآنه،
لما دنا من الأنا أتاه،
آن موعد القِران.

كلما تساور القتيل سدرة الحياة،
يخفت السبات،
كلما يسكّر الهديل جهامة المغيب،
يحلم الحباب،
والسحاب يحبو بالروابي.

تسرح المسارح سارحةً
في سحرها النوافذ،
يهذي الزمان،
والمكان يحتفي،
في صمته مولود.

كلما تفكر الغريب،
كلما تغمّد الجدار ما خفا،
هفا إلى قرارة البيان بيانه.

تضاءل الهديل،
كلما تضاءل العنان،
عنَّ بالمغيب شاعرٌ يهدم القصور،
يهزم القبور،
ينهض القتيل من رفاته،
وينهض الوجود من مواته.

يفنّد الفناء،
تشرح الورود للهباء طَلسَم الوجود،
ينهض التراب،
ينهض الغياب من سرابه.

أرهقه الغياب،
خطّ أول الحروف،
ثم خطّ آخر الحروف في قصيده المكابر،
فبان بالقصيد قيده يئنّ
بين خيبة وخيبة.

لما تذكّر القصيد ما نسا،
تمرّد الفعول،
غام،
هام في مَغَبّةٍ
تغمّدت براءة السماء.

تساءل السؤال،
لما ابتلّ،
تلّ دمعه،
فأطفأ الشموع،
احتفى بموته المكرّر.

لما تذكّر المشاهد التي تخافتت،
تشكل الهباء في قصائد الهباء والعدم،
تشكل الغباء في براءة الغباء،
في طلاسم البيان،
في بداهة البُهم.

  • شاعر تونسي
    عمر سبيكة، شاعر تونسي وُلد في 14 أكتوبر 1958 بمدينة حمّام الأنف. تخرّج مهندسًا مساعدًا في النسيج باختصاص الصباغة والتكملة من المعهد الأعلى للنسيج بقصر هلال، لكنه اختار أن يجعل من الشعر مساره الأوسع ومن الكلمة فضاءه الأرحب. أصدر منذ سنة 2001 أكثر من أحد عشر ديوانًا شعريًا، منها: عناق، الأرض تركض خلف خطاها، كليم الورد، أفق الناي... جناح القطا، بيان الحديقة، إلى آخر المطر، الوثبة البيضاء، خيال الماء، أنا لست هنا، وما وقر من القصائد. وقد حازت بعض أعماله جوائز عربية بارزة، مثل جائزة القدس الدولية الأولى (2022) عن ديوانه خيال الماء، وجائزة البديع العربي الأولى (2022) عن ديوانه أنا لست هنا. وفي سنة 2025، أصدر سيرته الذاتية بعنوان الأرض تشقى. إلى جانب الشعر، مارس عمر سبيكة الإبداع السينمائي منذ السبعينات، فكتب وأخرج أفلامًا قصيرة روائية ووثائقية نالت جوائز في المهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية. وهو أيضًا ناشط نقابي ساهم في تأسيس النقابة الأساسية للموظفين وتقنيي المخابر بالقطب التكنولوجي ببرج السدرية، وفاعل حقوقي شغل منصب كاتب عام فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بحمام الأنف–الزهراء–رادس من 1989 إلى 2015. شاعر مناضل، جمع بين القلم والالتزام، وبين القصيدة التي تبحث عن الجمال والحرية، والعمل النقابي والحقوقي الذي يحمي كرامة الإنسان.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا