أحيانًا، لا يبحث عن يدٍ تمسح دمعه،
ولا عن صوت يربّت على قلبه بكلمات محفوظة.
أحيانًا، كل ما يحتاجه… أن يختفي.
أن يذوب في مكان لا يراه فيه أحد،
ولا يسأله أحد: “ما بك؟”
يختفي لأنه يريد أن يتحطم وحده،
أن يعيش ضعفه دون مراقبة،
أن يسمح لقلبه أن ينكسر بصمت…
دون أن يرتّب حزنه ليبدو مقبولًا أمام أحد.
في تلك اللحظات، لا يرغب في الطمأنات…
ولا في وجودٍ يربكه بلُطفه.
يختفي لأنه سئم من تمثيل القوة،
من تجميل الانهيار،
من أن يبدو على ما يرام… بينما هو يغرق.
أحيانًا، يبكي وكأنه ينظّف داخله من تراكم الأيام.
كأنه يُخرج كل شيء… دفعة واحدة.
ليس لأنه ضعيف،
بل لأنه كتم كثيرًا،
وكل شيءٍ مُكتم… يطالب بحقه في الانفجار.
هو لا يهرب من الناس…
هو فقط يهرب من أسئلتهم،
من عيونهم التي تراقب حزنه بدهشة،
ومن تلك النظرة التي تقول له: “كنت أظنك أقوى من هذا.”
لهذا يختفي.
يختبئ عن العالم كي لا يخون ذاته في لحظة صدق.
يُخفي حزنه عن الكل، ويواجهه وحده.
يعرف أن لا أحد سيشعر بما يشعر،
ولا أحد سيفهم الصراع الذي لا يستطيع وصفه.
فأين يذهب بكل هذا الألم؟
إلى العتمة…
إلى ركنٍ بعيد لا يصل إليه صوت،
ولا يُشبهه فيه أحد.
يبكي فيه دون شهود،
ودون شهقةٍ واحدة تُفسد وقاره.
لأنه ببساطة…
لا يريد أن يُشرح.
ولا أن يُفهَم.
يريد فقط… أن يبكي حتى ينام.