916 زُقاقيُعششُ في رأسي أعينهمرشوقة في وجهي أشعر أنّ الزقاقصُنع لأجلي قلوبأبوابها مؤصدة لا أقوىعلى فتحها إنّها أبواب مغلقة،وراءها أسرار،أعين مترصدة تُفتحعندما أُغلقعلى فؤاديكل مساء في الصباحأترك الزقاق ألتقيبعطار الحي،ينثر الخبزفي أفواه الدجاج يرسل ليرسالة عبر ذبذباتصوته المتعثر، كلمات بالعربيةالفصحى المكسّرة: “الخبز لن يأتي اليوم،فأفران الحي مغلقة،لأن الطحين هاجر إلى طاولاتفطور الصباح المنمقة.” ثمّ يغلق بثّهبعد سردهنشرة أخبار الصباح، عن المحتكرين،والمتآمرين،وقلة السياح في ذلك الصباح،عجوز تهوىالكلام بصوت عالٍ تمرّ بجانبي،تصطاد فيزوج لابنتهاالتي كبر سنّها، ولم تجد منيتزوجهاويرعاهما فأقول في نفسي:أرجو أن لا تراني،فأنا لا أملكحق الزواج بثانية وهي منفرط حزنها عليهاغاضبة منكل ديوكالحي النائمة، لأنهم يسهرونمع تلكالدجاجات المتمرّدة، فيفوتهم وقتأذان الديكة، فلا توقظهافي الصباح كعادتها لتواصل البحثعن عروس لابنتها فهي الآن راضيةحتى بذلك الديكالذي يستفيقفي المساء إنها عجوزاستهلكت عمرها،وباتت تعدلهروبها الكبير وتخشى أن يذهبالإرث لأبناء أختها،فهي تسعى أن تؤمّنحفيدًا يرثها أخيرًا،وصلت الحدود استوقفنيحرسُها أعلن أنهيعلم أنني عدتالبارحة متأخرًا، وأنني كنتأحمل باقةمن الوردحمراءكدم الشهيد قال:هي خمسةأو هي سبعةورود، أنا لا أنتبهولا أتجسّسعلى الجيرانوالحدود قلت: أنتحرس الحدود، وعليك أن تنتبه لمن يُدخلالسلاح المحظورأو الورود، ويهدد زقاقنا الحبيب قال لي فخورًا:أنا هنا لا تخف، أنا في كل مكان،أنا في كلشقوق الزمان أنا غبار الشبابيك،ورطوبة الحيطان، لن تفلت من أعينيالسحلية والنملة، وأكتب في ملفاتيكل تحركات العابرين والداخلين،والمحتكرين،والمهرّبين، والضبّ المتسلّلليقلقراحة الساكنين وأردف يدعو اللهأن يعطيه جارًابلا عينين، لأنه يحسأنّ هناك حاسدين قدّمت له التحية،وقلت:أنت حقيقة نِعم الجار، ونحن بك فيمأمن مكين آمنين عبرت الحدودنحو شارع الغربةوضوضاء المدينة نظرت إلى الزُّقاقورائي،إنتابنيحنين لوطني انطلقت مغتربًا،ولكن لي أملأن أعودْ أعودُللأبواب المغلقةوحارس الحدود، وعجائز الشبابيك،والأعين الحارسة، والعانسات،والمهرّبين،والسياسيين، والمدخنين،والزطّالين في الزُقاق لي حنين للأعشاش التيبقيت فارغة، لأن الخطّافتركها وهاجر خلسةتحت جناح الليل، تاركًا رسالة فيها: “قطعوا عناالماء والكهرباء،وطردناصاحب العشّ اللعين، لأننا لم نستطعدفع إيجار خمسة سنين، فنحن هناكذاهبون، فموتنا الثانيلن يكون أقسىمما كنا فيه معذبين.” في ذلك الزُقاق،يقتلني الحنين حنين للبراءة،وللعب بأديم الأرض حنين لرائحةرطوبة التربة،عندما نحفر الأرضبأكفنا الصغيرة، نبحث عن كنز مفقود،أو دودةالأرض المسكينة كنّا نغتصب أرضها،ونهدم منزلها ونحن نفعلما نفعل بها، نحس بالخوفوالسلطة ولأنها لا تشبهنا،ولا نفهمها ولا تفهمنا، ولأنها مُخيفة نظراتها،مختلفة عنّا، كنا نقرر إيقافالحوار معها، ونحكم عليهاأنها معادية،فنقتلها في الزقاقكل صباح، لا أعلم لماذاألتفت لزاوية، أقاوم الجاذبية،فتنهزم إرادتي،وتنتصر تلك الزاوية المكان يحكمني،ويمسك بأطرافي المكانكان لي يومًاكنت فيه أصغر برقم،أصغر بيوم،أصغر بعمر الزاويةمكان بطولاتي،وصولاتي، وجولاتي حملتفيها ميدالياتيفي النفخ على الورق،ودحرجت الكجّة،والغميضة زقاق عششفي رأسي،لا يريد الرحيل هو يبعث فيّ اليومالحزن والحيرة والأنين،ولكنني أعيش فيهبذكريات الطفولةالتي لا تريدنيأن أرحل عنها،لأهاجرلزُقاق الآخرين ذكرياتتتحكّمفي زاوية نظري،وتجبرنيأن أكرّمكل مكان داستعليه قدمي،وأطلقت فيه ضحكاتي هذا الزُقاقيرهقني ويضنيني، ولكن كيف أستطيعأن أُشفى منإدماني وحنيني؟ بقلم / محمد هادي عون