الصفحة الرئيسية قصيدة النثر وليد سرنان – المغرب: يكتب “آسفي، مدينتي… حين جفّ قلمي”

وليد سرنان – المغرب: يكتب “آسفي، مدينتي… حين جفّ قلمي”

70 مشاهدات 1 دقائق اقرأ

قلمي جفّ،
لا لأن الحبر خانني،
بل لأن الوجع سبق اللغة،
وأثقل اليد بما لا يُكتب.

الكلمات لا تطاوعني،
عجزتُ عن الكتابة
حين صارت الشوارع بكاءً مفتوحا،
حين صار البيت سؤالًا
بلا إجابة.

تراجعت الكلمات خطوةً إلى الوراء،
خجلت أن تصف
مدينةً غسلها الفيضان،
ولم يغسل عنها الألم
ولا الإهمال.
الحقيقة ماتت غرقًا،
في مدينةٍ تأخّر عنها الإنقاذ.

الأمهات يجمعن أبناءهنّ من بين رعشة الماء،
كأنهنّ ينتشلن القلب من الغرق.
ضحايا الفيضان،
ستبقى أسماؤكم محفورة،
ليس على حجر القبور وحده،
بل في جدران الأزقة،
وفي أنفاس المدينة،
وفي ارتجاف القلوب التي لم تهدأ منذ الفاجعة.

وداعا يا غزلان،
وداعا يا بائعة الفخار…
مازلتُ أتذكر كلماتك،
رحلتِ غرقا…
لكن الماء لم يكن وحده السبب.
وداعًا أيها الراحلون…
أرواحكم تئن في صمت المدينة،
والأمل غرق معكم.

المدينة العتيقة لا تبكي،
تنزف… تنزف بصمت فادح.
أطفال تعلّموا الخوف
قبل الحروف،
والوجع أقدم من الجدران.

فما السبب؟
غرق التجار، وغرق معهم كل حلم وأمل.
أبناؤهم كانت تنتظرهم،
وعائلاتهم
تنتظر لمسة، كلمة، ابتسامة…
لكن الماء سلب كل شيء:
سلب الماضي،
سلب الحاضر،
وحتى المستقبل.
ترك الانتظار صامتًا،
والعيون شاخصة نحو الفراغ،
والقلوب تهوي بلا سند.

هنا لا يُطلب التضامن،
هنا يُستنجد به.
التضامن ضرورة،
لننقذ ما تبقّى
بما تبقّى فينا من إنسانية.
آسفي لا تحتاج الكلمات،
تحتاج أن تُرى،
أن يُحتضن ألمها،
وتستحق أن تُقال الحقيقة كاملة:
آسفي منكوبة…
وإعلانها مدينة منكوبة
أوّل اعتراف بالألم،
لأن الوجع تجاوز الاحتمال.

أين مسؤولوكِ يا آسفي؟
لم نراهم…
لم نجدهم…

اللامبالاة تراكمت،
والإهمال لم يكن صدفة،
كان صمتًا طويلًا
ينتظر أول غضبة ماء
ليعلن الخراب.

قبور شهداء الفاجعة
ليست نهاية،
بل شهادة…
تقرأها المدينة كل صباح
ولا تجيب.

مدينتي،
يا حجرا تعلّم الصبر قسرا،
يا بحرًا كان وعدًا
فصار شاهدًا.
كيف أكتبكِ
وأنتِ تنزفين في الصمت؟
كيف أختصر وجعكِ
في جملةٍ
والوجع أكبر من اللغة؟

سأصمت…
فبعض الوجع لا يُقال،
وبعض ما وقع
أثقل من الحروف.
لكن القلب ما زال يكتبكِ
نبضا،
ودعاءً،
وشهادةً لا تموت.

لكِ الله يا مدينتي…
لكِ الله يا آسفي

الشاعر والكاتب وليد سرنان

  • كاتب، شاعر وقاص مغربي
    الاسم: وليد سرنان البلد: المملكة المغربية – مدينة آسفي السن: 18 سنة الصفة: كاتب، شاعر، وقاص وليد سرنان، قاص وشاعر مغربي من مدينة آسفي، يؤمن بأن الأدب رسالة راقية تنير العقول وتوقظ الأرواح، وبأن الكلمة الصادقة قادرة على بثّ الحياة في مساحات الصمت. له إصدار قصصي فردي بعنوان "نبض الحياة"، ويشرف على مجموعة قصصية جماعية بعنوان "رحلة الكلمات" تضم نصوصا بثلاث لغات، كما أشرف على إعداد كتاب توثيقي مشترك بعنوان "الحوز: صدى الفاجعة في قلوبنا"، وهو عمل أدبي يخلد صدى زلزال الحوز في ذاكرة التلاميذ المتضررين، بلغة تنبض بالإنسانية والصدق. فائز بجائزة شعرية ضمن مهرجان ربيع الشعر بآسفي – دورة الشاعر محمد الأشعري، ومنسق لعدد من الندوات والتظاهرات الثقافية والتربوية بثانوية نجيب محفوظ التأهيلية. شارك في تحدي القراءة العربي، وفي المشروع الوطني للقراءة،

اقرأ أيضا

أترك تعليقا

سجّل اسمك وإبداعك، وكن ضيفًا في محافلنا القادمة

ندعو الأدباء والشعراء وسائر المبدعين إلى أن يُضيئوا حضورهم بيننا بتسجيل أسمائهم وتعمير الاستمارة التالية، ثم النقر على زر «أرسل» ليكون اسمكم ضمن قائمة الدعوات إلى تظاهراتنا الثقافية القادمة — حيث يلتقي الإبداعُ بنبض الحياة، وتُصاغ الكلمةُ في فضاءٍ يليق بكم وبأحلامكم.