71 قلمي جفّ،لا لأن الحبر خانني،بل لأن الوجع سبق اللغة،وأثقل اليد بما لا يُكتب. الكلمات لا تطاوعني،عجزتُ عن الكتابةحين صارت الشوارع بكاءً مفتوحا،حين صار البيت سؤالًابلا إجابة. تراجعت الكلمات خطوةً إلى الوراء،خجلت أن تصفمدينةً غسلها الفيضان،ولم يغسل عنها الألمولا الإهمال.الحقيقة ماتت غرقًا،في مدينةٍ تأخّر عنها الإنقاذ. الأمهات يجمعن أبناءهنّ من بين رعشة الماء،كأنهنّ ينتشلن القلب من الغرق.ضحايا الفيضان،ستبقى أسماؤكم محفورة،ليس على حجر القبور وحده،بل في جدران الأزقة،وفي أنفاس المدينة،وفي ارتجاف القلوب التي لم تهدأ منذ الفاجعة. وداعا يا غزلان،وداعا يا بائعة الفخار…مازلتُ أتذكر كلماتك،رحلتِ غرقا…لكن الماء لم يكن وحده السبب.وداعًا أيها الراحلون…أرواحكم تئن في صمت المدينة،والأمل غرق معكم. المدينة العتيقة لا تبكي،تنزف… تنزف بصمت فادح.أطفال تعلّموا الخوفقبل الحروف،والوجع أقدم من الجدران. فما السبب؟غرق التجار، وغرق معهم كل حلم وأمل.أبناؤهم كانت تنتظرهم،وعائلاتهمتنتظر لمسة، كلمة، ابتسامة…لكن الماء سلب كل شيء:سلب الماضي،سلب الحاضر،وحتى المستقبل.ترك الانتظار صامتًا،والعيون شاخصة نحو الفراغ،والقلوب تهوي بلا سند. هنا لا يُطلب التضامن،هنا يُستنجد به.التضامن ضرورة،لننقذ ما تبقّىبما تبقّى فينا من إنسانية.آسفي لا تحتاج الكلمات،تحتاج أن تُرى،أن يُحتضن ألمها،وتستحق أن تُقال الحقيقة كاملة:آسفي منكوبة…وإعلانها مدينة منكوبةأوّل اعتراف بالألم،لأن الوجع تجاوز الاحتمال. أين مسؤولوكِ يا آسفي؟لم نراهم…لم نجدهم… اللامبالاة تراكمت،والإهمال لم يكن صدفة،كان صمتًا طويلًاينتظر أول غضبة ماءليعلن الخراب. قبور شهداء الفاجعةليست نهاية،بل شهادة…تقرأها المدينة كل صباحولا تجيب. مدينتي،يا حجرا تعلّم الصبر قسرا،يا بحرًا كان وعدًافصار شاهدًا.كيف أكتبكِوأنتِ تنزفين في الصمت؟كيف أختصر وجعكِفي جملةٍوالوجع أكبر من اللغة؟ سأصمت…فبعض الوجع لا يُقال،وبعض ما وقعأثقل من الحروف.لكن القلب ما زال يكتبكِنبضا،ودعاءً،وشهادةً لا تموت. لكِ الله يا مدينتي…لكِ الله يا آسفي الشاعر والكاتب وليد سرنان