رئيسية » نزار عبد الرزاق الكشو : (59) محطة و (56) صرخة لتأثيث مشروع فني إحتجاجي أدائي يحمل عنوان” أشلاء … المسافة 405 ، 0 يوما “
الثقافة

نزار عبد الرزاق الكشو : (59) محطة و (56) صرخة لتأثيث مشروع فني إحتجاجي أدائي يحمل عنوان” أشلاء … المسافة 405 ، 0 يوما “

وغزة تتعرض الى أكبر و اشنع و ابشع ابادة إنسانية ، واكبر حملة صهيونية صليبية ، واكبر محرقة نازية وإرهابية وإجرامية في تاريخ البشرية ، بتواطئ مخزي ومذل من اشقاءها مع اعداءها … حوالي 45 ألف شهيد منهم حوالي 30 ألف طفل وامرأة ، وحوالي 100 ألف مصاب واكثر من 15 ٱلاف مفقود … وبمناسبة الذكرى العشرون لاستشهاد رمز الثورة الفلسطينية المعاصرة ياسر عرفات 🇵🇸 رحمه الله ورحم كل شهداء غزة و فلسطين أجمعين رحمة واسعة وغفر لهم واسكنهم فسيح جناته …

اكرر غزة ستنتصر نصرا ساحقا و تاريخيا على كل اعدائها … النصر لن يتأخر … أراه يلوح أكثر فأكثر … في مثل هذا اليوم 13 نوفمبر من سنة 1974 زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات يتحدث إلى الأمم المتحدة في خطاب تاريخي :
” … شهدت الأمم المتحدة في سنة 1974 حدثا فريدا لم تشهده منذ نشأتها سنة 1945 … فلأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة يقف رئيس حركة تحرير وطنية على منبرها ليلقي خطابا يتحدث فيه عن مطالب حركة التحرير حيث ألقى ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خطابا وجهه إلى وفود دول العالم المشتركة في الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة التي كان يرأسها يومها عبد العزيز بوتفليقة وزير خارجية الجزائر … و في ختام خطابه وجه ياسر عرفات الكلمة إلى ممثلي دول العالم فقال : “ انني كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية و كقائد الثورة الفلسطينية أتوجه اليكم أن تقفوا مع نضال شعبنا من أجل تطبيق حقه في تقرير مصيره هذا الحق الذي كرسه ميثاق منظمتكم وأقرته جميعتكم الموقرة في مناسبات عديدة. وانني أتوجه اليكم أيضا من أجل أن تمكّنوا شعبنا من العودة من منفاه الاجباري الذي دُفِع اليه تحت خراب البنادق وبالعنف والظلم ليعيش في وطنه ودياره وتحت ظلال أشجاره حرًّا سيّدًا متمتّعا بكافة حقوقه القومية، ليشارك في ركب الحضارة البشرية، وفي مجالات الابداع الانساني بكل ما فيه من امكانات وطاقات وليحمي قدسه الحبيبة كما فعل دائما عبر التاريخ ويجعلها قبلة حرة لجميع الأديان بعيدا عن الارهاب … كما أتوجه اليكم بأن تمكنوا شعبنا من أقامة سلطته الوطنية المستقلة و تأسيس كيانه الوطني على أرضه … لقد جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي … الحرب تدفع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين ”
… هذه المرة و ليس ككل مرة يأتي عبد البصير بتاريخ يوم الخميس 14 نوفمبر إلى مرفق عمومي في قطاع الإعلام السمعي وهي مؤسسة الإذاعة التونسية وتحديدا إذاعة تونس الثقافية ضمن البرنامج المباشر ( أضواء ) إعداد وتقديم فاتن الصالحي و ذلك بإقتحام أستوديو فقيد الإعلام والثقافة ” ناظم الهاني” باحثا عن ابنته عزة و محاولة التبليغ عن ضياعها و اول ما تصل شخصية ” عبد البصير ” إلى بهو المؤسسة يبدأ في البحث عن قطرة ماء … علها تروي عطشه … ثم تدخل الشخصية في دوامة السؤال … و كأنها تهذي فهو دائما يتساءل عن النقطة و مفهومها … ليتذكر غيابها … ويبدأ في رحلة البحث عنها … النقطة هذه هي التي سقطت سهوا أو قصدا … لا يهم … المهم أن النقطة سرقت من ( عين ) العرب … وسرقت من ( راء ) الحرب … وسرقت من ( حاء ) الحب … بعد أن سقطت كل النقاط النقطة تلو النقطة … سقطت أهم نقطة من (عين) مدينته … من عين ” غزة ” التي تذرف النقاط كل يوم … وتكفكف العين دمعتها ويبكي القلب عزتها … وأخيرا … أفصح ” عبد البصير ” عن سبب وجوده في هذا المكان بعينه يتمتم حينا و يتحسس وشاحه حينا أخر ليبدأ في ترديد عبارته المشهورة “لن أنزع الوشاح حتى يأتي الصباح ” يحاول إستجداء مقدم البرنامج و يترجاه ويستوقفه عن تقديم بقية فقرات البرنامج ويطرح عليه أسئلته ثم يعيدها مرة ويكررها مرات ” هل لديكم معلومة عن مكان ابنتي؟ ” … فرغم تفسيراته المتواصلة لقصة خروجه الإضطراي من جهة و سرده المتكرر لقصة خروج ابنته الإختياري و بطريقة تفاعلية يقوم ” عبد البصير ” بالحركات تارة وبالكلمات طورا وبين الحركات والكلمات تترعرع المحاكاة … وكان للإرتجال دور كبير في بناء هذا الإحتجاج المسرحي كما حصل في هذا العرض القياسي تماما من تفاعل واضح و مشاركة فعالة في الحدث ذاته لأنه يضم عوالم مختلفة من الأفعال ومعالم متنوعة من الأقوال وكل ذلك يسبح في فلك الدائرة الفعلية والتي تعتمد على فعل الفاعل (عبد البصير) ويسمى أيضا بالمؤدي أو المواطن (الشخصية) وردة فعل تأتي من ( الفواعل ، والمفاعيل ، والمستفعلين ، المتفاعلين ، المنفعلين ، ….) ويسمى بالمتلقي أو المواطن (الجمهور) …

فكل ردود الافعال الحاصلة … أمام كل الأفعال التي يقوم بها ” عبد البصير ” هي مجرد نتاج لتفاعلات عدة اطراف من الدائرة الفعلية والفاعل الرئيسي يمكن أن يكون نائب فاعل يسرد ما حصل للفاعل ولكن هنا ينفجر في وجوه الحاضرين غضبا وسخطا ليس من الجفاف والقحط بل قهرا وغبنا من الحالة المتأزمة المأزومة … و أمام هذا الوضع المتردي يبقى يمعن في كشفه و يوغل في سبر أغواره رغم قتامته … إزاء هذا الوضع تظهر على “عبد البصير ” علامات الإفتعال حينا و الإنفعال أحيانا … أمام تواصل تشيئة الإنسان و إحتقاره والدوس على أبسط حقوقه إلى درجة جعله بضاعة للبيع والشراء وسلعة للعرض والطلب … ونحن هنا نرواح بين المواطن و الممثل من جهة وبين الشخص و الشخصية من جهة ثانية … لكن استغراب الحاضرين وبهتتهم أمام كائن يتفحص المكان ويراقب الوجوه ويرصد الإنفعالات بل يتابع بإمعان حركتهم و يصغي جيدا لأحاديثهم و يستأنس بٱرائهم رغم إختلافها فمحور الكلام حول وضعيتين متقابلتين © الاولى منصهرة في ® الثانية ( وضعية تونس من جهة أولى …) و (وضعية فلسطين من جهة ثانية … )
لكن أمام معاناة إخوانهم في غزة تهون عليهم معاناتهم بل يتابعون الأخبار بشغف وهم يرتلون بطولات المقاومة تارة بهمس وصمت رهيب وطورا بوشوشة وقهقهة خافتة … والمواقف كلها تروي الأحداث و تذكر المناقب وتعدد صفات البطل رغم مرور فترة طويلة على إغتياله … هذا البطل التراجيدي الذي :
✓ دافع عن أرضه
✓ كافح من أجل شرفه و عرضه
✓ رٱى موته الحتمي ولم يكترث
✓ كان عنوانا للصبر والجلد والثبات
… أمام المقاومة لا مكان للمساومة حتى وإن كانت الخسائر جسيمة فإن المجهود لا معنى له أمام الإستشهاد و أن الإجتهاد لم يبقى حبيس الجهاد بل رسخ فكرة المقاطعة :
✓مقاطعة الظلم وأهله
✓مقاطعة المطبعين و المهللين له
✓مقاطعة الخيانات و مناصريهم …

ومن شدة حرصه على مقاومة كل مظاهر الظلم و صد كل الأساليب التي يعتمدها الظالم فلم يجد بدا سوى أن يتسلح بعديد الٱليات لمجابهة كل هذا الخراب الإنساني و نحن نعلم أن لكل مواجهة ضريبة ولكل ضريبة خسارة ولكل خسارة مكسب فالضريبة هي تلك التي ندفعها ثمنا للغطرسة و التسلط و الفساد … أما الإبادة الجماعية … أو لنقل بصريح العبارة الإبادة اليومية … فهي لا تسقط بالتقادم ولا بالتفاوض ولا بالمساومة بل تسقط بالمقاطعة و تستمر بالمقاومة … فكان لشخصية “عبد البصير” سبيل واحد للمواجهة وهو العودة إلى الواجهة من جديد والوجهة هذه المرة هي المشاهد فهو بقي مثقل الخطى يحمل ٱلامه وٱماله و معهما يتذكر وجع السنين وما حدث لأرض فلسطين فرغم كل ما حصل طيلة أكثر من ( عام و شهر وأسبوع) إلا أنها تبقى عصية على الخونة و العملاء قبل المنافقين و الأعداء … وبين الرحلة و الإرتحال نجد الأداء يقوم على الإرتجال ليكون سبيلا نحو تحسيس الناس وتذكيرهم بالمٱسي و المٱل … فليس من المحال … و ليس صعب المنال … ولا هو ضرب للمثال … و لا فسح للمجال … إنما هو خلق بالخيال … و طرح للسؤال … عن سر الجمال … بفصل المقال … عن رحلة الأهوال … بالبحث والتجوال … عن فتاة مثل الهلال … تشع كقمر في دلال
صحيح أنها في قلبه موجودة … و لكنها في الواقع مفقودة … هل هي الموؤودة ؟؟؟ … فما مصير النقطة الضائعة … النقطة التي سقطت من عين المدينة … لتبقى ” غزة ” حزينة
حتى تعود ” عزة ” المسكينة … لذلك تعتبر العودة محطة هامة بل من أبرز محطات المشروع الذي لم يكتمل … ولن يكتمل إلا بالنصر … والنصر قريب جدا … و طبعا لا تتوضح معالم الفرجة إلا بتفاعل المتلقي و مشاركته في صياغة القول وصناعة الفعل فهو المنطلق وهو المنتهى لأنه المساهم الرئيسي في إنجاز العرض و الأساس الأول لإنتاج الفرجة …

بقلم / المسرحي أ. نزار عبد الرزاق الكشو
تونس