انتفت من بين الدروب دروب، وانكمش الحب وانطوى القدر بين طيات الزمان.
ارتعش الأنين، وانتفضت الدموع في المقلتين، حنين مؤلم لزمن الغابرين، حنين لبساطة المكان ودفء الحالمين.
عربدة بين أضلاعي ومعركة بين إنسان وشبه إنسان.
اندمجت السماء، وانعجنت بين زفرة الروح وتلابيب جسد إلهي تجره الدنيا في نفق الحياة.
انخدش النور الذي يفيض بين أصابعي، يرنو إلى الحرية والانعتاق من جسد الظلمات ودناءة من هو بين الألف والنون.
أقتل في نفسي كل الذي أحتقره لتعرف روحي السلام، وتعيش كشعاع يخترق المكان والزمان.
ارتحلت كل دروبي، وانتفت كل سكرات الحياة، وبات الجسد صدئًا لا يريد الانزياح، لا يريد أن يزيل كل شوائب الموجودات ودمل الكلمات.
كلمات تنسجها حروف عارية من الإحساس، تتراقص بين أحضان العهر والبؤس وسقوط الذات.
سقطات بين ساقطات، بين السجود والمجون، بين الذهاب والرجوع، بين كل محظور ومرغوب.
وبين فخذي الخطيئة ماتت الحقيقة، وانبثق منها كذب يقتل الحياة بعد ليلة غيرت كل المسارات، وضاع بها النور في دروب الظلمات.
ينتظر الصباح شروق الشمس ليعلن عن وجه الحقيقة والقدر المحتوم، قدر غيرته ليلة بين أحضان جسد متعفن وقراءة في تمايل أجساد الراقصات.
هو كمزيج بين الروح والجسد، بين السماء والأرض، بين العلو والسقوط، هي روح تسمو بنورها أو جسد حقيقته من تراب.
اليوم فتحت حقيبة السفر، وضعت أغراضًا وكل ما أحتاجه في الطريق الطويل المفخخ بالحفر… دروب جانبية أتوه فيها عند أول منعرج خطر.
وضعت في حقيبتي ألعاب الطفولة، وعطر أمي، ورائحة من عرق أبي، وضعت الكتاب وبعضًا من أشعاري، وصورًا لوردات كنت أرعاها، وحملت دعاء أمي وقليلًا من الأمل، ثم واصلت طريقي ممسكًا بحقيبتي، أسير في الظلام وأمشي في النور، أتأرجح بين الوصل والهجر حتى أكمل هذا الضجر.
أشرقت وجنتاها يومًا، والتَمست الشمس قبسًا من نورها لتضيء الدنيا بحسنها.
الصباح يشرق مع رمشها، والعصافير تغرد مع شفتيها، وخرير المياه يعزف بين الجداول سيمفونية عشق المحبين، وينساب بين خصلات شعرها في رقصة فالس، متمايلًا مع خصرها الجميل.
هي أنثى في جسد الحياة، تعانق نسمات الحب، وتنهل من نبع الهوى بين أحضان القدر، تهدي نفحاته للحبيب الأول.
لكنها أظلمت وقتلت كل جميل، رمت بأشعاري، اغتصبت براءتي، وباعت كل أسراري.
هذه الحياة تعود لتشيح بوجهها وتعزف لحن الوجع والأنين، غررت بي تلك الحسناء، وأنزلتني لطين جسدي، هوت بنور روحي إلى حفرة الوجود، ونفثت سمها في سمائي، ونقضت كل الوعود.
انتفت من بين الدروب دروب، سرت في دربي، وحملت حملي منهكًا، سمعت صوتًا تحت أقدامي يقول:
أيها العابرون على جسدي، أيها السائرون نحو الحقيقة،
كل الدروب سراب، وكل الحروب خراب، وعند نقطة الصفر ستتحرر من القيود، وجسدك سيصبح بين السراب والتراب.
الحياة طريق عابرة، والنهايات بدايات، فلا تحمل في حقيبة سفرك إلا البدايات.
وانطلق، وعانق دربك، وانثر على جانبيه الورود، وعطر طريقك بالحِلم والأحلام.
عانق بالحب كل الفراشات، فبالحب تندمج الأرواح، وينبثق منها نور الوجود، فيتجلى به سحر الحياة.
وتبعث من بين الدروب دروب، وتخلق البدايات من النهايات، والنور من الظلمات.
وتولد الأحلام، والحب، والجمال، ليرتقي الإنسان إلى مرتبة الإنسان.