مجيدة محمدي 
نحن التونسيون — أبناء البحر والنخيل، والزيتون وأحفاد قرطاج التي لم تترك للعالم إلاّ إرث الكبرياء والعناد الجميل — شعبٌ كتب في ذاكرة الأرض أنّ الفرح مقاومة، وأنّ الرقص والغناء في الأعراس والمهرجانات طقسًا للحياة، ولادة جديدة من رحم الصعاب. نحن الذين نتفنن في صنع الخبز كما نتفنن في حياكة أزيائنا المذهلة، نطرّز ألوان القماش بضحكاتنا، ونصبغ المائدة بعطور الريحان والفلفل والنعناع، حتى يصير للطعام رائحة الجنة، واللباس لوحة، والمزاج سيمفونية حبّ للحياة.
نحن التونسيون — شعبٌ لا يترك العلم خلفه، ولا يضع العقل في جيب النسيان، بل يبني به قلاعًا في كل مكان، من باريس إلى كندا، ومن الخليج إلى أعماق إفريقيا. أبناء مدرسةٍ تعلّمنا أن الحرية ليست شعارًا بل سلوكًا، وأن النكتة في أفواهنا ليست هروبًا بل سلاحًا ناعمًا يكسّر قسوة الأيام.
لكننا أيضًا — حين يُمسّ مبدأ من مبادئنا، أو تُهان قناعة من قناعاتنا — نصير صخرًا لا يتزحزح، بحرًا لا يجفّ، بركانًا لا ينام. لا نُساوم على حقّ، ولا نُقايض على شرف، ولا نُعطي للخيانة مأوى في قلوبنا. فالقضية الفلسطينية عندنا ليست خبرًا في نشرات الأخبار، بل صلاة يومية، إيمانٌ متجذّر كالزيتون في أرواحنا، نؤمن بها كما نؤمن بالله، وندافع عنها كما ندافع عن بيوتنا وأطفالنا.
فلا تنتظروا من تونس أن تنحني لهيمنة أميركا وتهديداتها، أو أن تنخرط في مسرحيات المطبّعين. هذا الشعب العظيم تعلّم من التاريخ أنّ الركوع موتٌ، وأن الحياة لا تليق إلا بمن يسير منتصبًا. نحن أبناء وطن حرّ، نحيا للجمال، نغنّي للحبّ، ونضحك بقلوب منفتحة، لكننا في لحظة الاختبار نتحول إلى سيوف مسلولة، ورايات شامخة، وحناجر تهتف: عاشت تونس حرّة أبية… وعاشت فلسطين أبدية ….
