الصفحة الرئيسية مقال رأي اليمني مجيب الرحمن الوصابي: “في تونس… كل الجدران تنطق فلسطين”

اليمني مجيب الرحمن الوصابي: “في تونس… كل الجدران تنطق فلسطين”

333 مشاهدات 2 دقائق اقرأ

هِي الأمُّ لَها، بِهذا التشبيهِ البليغِ نقاربهما، علّنَا نفهم هذا التلاحم بين فلسطين وتونس … ذا السر؟ ربّما ابنتها البارة… إنها قلبُ العروبةِ النابض، فالوصف بالشقيقات أضحى لَمْزًا وابتلاء و(داء الشقيقة) وجيعة رأس في ذا الزمن الأغبر والمنبطحين.

فَلسطينُ، ليست عاطفةً عابرةً هنا في تونس بل أبعد من ذلك، ثم هي جزء من هوية الناس وعقيدتهم، إيمانهم الراسخ، يوالونَ لأجل فلسطين ويحبّون، ويعادون ويتبرَّأون… ما هذا الشعب الحرّ الذي ابُتلي الصهاينة والمطبّعون به؟

عشتُ في تونس معزّزًا بضع سنين ومرحّبا، مجتهدًا في فهم الناس، الذين يطلقون اسم (العربي) على كلِّ شيء نفيسٍ ومثاليّ وغالي: المدينة العربي، السمن العربي، الجُبن العربي، وحتى الدجاج العربي والفاكهة والغلّة العربي، والحبّ عربي؛ غير أنَّ هيام التونسي بفلسطين وتعلّقه ظهر عصيَّ الفهم لي، بعيد الإدراك؛ فهل عليّ أن أولد مرّة أخرى في تونس رضيعًا ثم طفلًا فشابًّا وكهلا … ربّما أفهم معنى فلسطين عند كلّ تونسي! أقول ربّما.

في كلّ ندوة أو ملتقى شعريّ هنا في تونس تحضر فلسطين، ويُستفتحُ بها الكلامُ، ويُختتم … وباتت من السّنن المؤكدة عند أدباء تونس وأنا شاهد عيان وبعض الرّفاق العرب، من قبل طوفان الأقصى

يفتخر الشاعر الغزاوي الفذ الممتلئ بعشق تونسَ أحمد القريناوي ويتساءل بمجد وحب وعيناه مرآة لقافلة الصمود تبرقان، ويخيّل له أن تونس هي فلسطين. في لحظات من الوعي المكثف!

الشاعر والفنان الفلسطيني أحمد قريناوي

كيف استقامت أرضنا في أرضها؟

كيف استمدت غزة من بحرها بحر

وكيف تماثلت بزقاقها بلدي جنين

الآن في تونس

نعم

ليس في المنفى ولا في غربة

أو ربما لسنا بتونس نحن في قدس البلاد

هنا في هذه البلد الأصيلة… طينها من طيننا. أشجارنا أشجارها.

ليس القريناوي من لا يشعر بالغربة في تونس وحده كما أنا اليماني المكلوم في بلدي لم أشعر قط بالغربة والله … ” مرحبا بيك…” يصافحون بها مسمعي كلما قلت لهم أنا عربي، ” مرحبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا بيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك” أنت يمني!

ما الذي يدفع شابًّا طالبًا للعلم وفرح أهله ومهجتهم، إلى الصعود بحماسة إلى أعلى مكان في كلّيته لرفع علم فلسطين؛ ويرتقي بسقوطه شهيدًا، لنشاهد والده المفجوع ينعاه ويحتفل بقوله:” صحّة ليه” أي هنيئًا له، وتشيّع كل تونس “فارس خالد” بمجد ويعدُّ رمزًا للتضامن والوحدة… وصار الفارس خالدا …!

الآن في تونس

نعم

في أعمق الألوان من حبر قديم

الآن في تونس

نعم

في قصة أحداثها وطن أليم

الآن في تونس

نعم

في أغنيات الحُبّ والطير الحزين “القريناوي”

لا زالت أصوات الشوارع التونسية، وهتافات الجماهير في مسمعي منذ قدومي صيف 2021 تراتيل تضامن وحبّ وكرامة وحقٌّ، مؤكِّدة أن فلسطين تسكن في عمق وجدان كلّ تونسي حرّ، فهي كرامتهم التي لا يقبلون المساومة بها، صوت حق هيهات أن يسكت، وهي حلم لا يفارق قلب كل تونسي وعهد لا يزول، ففي كل زاوية هنا وكل حجر وفي كل بيت يحمل صدى فلسطين قلائد على الأعناق، وميداليات وزينة للمفاتيح، وفي تونس وحدها ترفع راية فلسطين أكثر من أي مكان في الدنيا في الجامعات وكلّ المؤسسات والمنشآت… حتى في تلك الأماكن التي تظن أنك ستجد صورة الرئيس التونسي؛ لا تجدها … وهذا أمر غريب بل مدهش ألّا تجد صورة لقيس سعيّد في شوارع تونس! … فكل الجدران لفلسطين.

ستجد في الجدران رسومات عن فلسطين، تحاصرك فلسطين في تونس أينما يمّمت وجهك وجدتها.

ذات احتشاد تونسي عن فلسطين في شارع الحبيب بورقيبة بحث فيه عن علم لتونس فلم أجد والله إلا علم فلسطين في كل مكان يرفرف حينها استحييت أن أرفع علم اليمن.

لازالت تونس حضنًا دافئًا للمقاومة الفلسطينية، ولسان صدق يلهج باسمها في كل المحافل العربية والدولية، وتونس ليست مضيفًا، بل هي شريك في النضال وشاهد على الصمود وداعم لا يتزعزع، إنها العلاقة التّي تجاوزت كل الحدود لتصبح وشائج دم وشهادة ومصير…. ويا قافلة الصمود سيري على المثل اليمني … وقول إبراهيم القحوي:

وَكَـبَّـرَتْ تُـونِسُ الشَّـمَّـاءُ فانْتَفَضَتْ

بَيْرُوتُ تَقْـدَحُ مِنْ أَوْجَـاعِـهَا الأمَـلَا

وفي الجَـزَائِــرِ تَـارِيــخٌ يَـمُــدُّ يَــدًا

كَمْ طَوَّحَتْ مَـارِدًا لِلْغرْب فارْتَحَـلَا

وَهَــاجَ في دَمِـنَا طُـوفَـانُ أُمَّـتِــنَـا

يومًا سيُغرِقُ صُهـيونًا ومَـنْ خَـذَلا

 فلسطين وتونس قصة عشق سرمدية خُطّت بمداد من الدماء والأنوار.

  • أديب وباحث يمني
    مجيب الرحمن الوصابي هو أديب وشاعر يمني، وُلد في محافظة ذمار باليمن. يُعد من الأصوات الأدبية المعاصرة في اليمن، وقد عُرف بإسهاماته في مجالي الشعر والمقالة الأدبية. ينتمي إلى الجيل الجديد من الأدباء اليمنيين الذين يسعون إلى تجديد الخطاب الأدبي وتوظيف القضايا الاجتماعية والوطنية في أعمالهم. أبرز ملامح سيرته الأدبية: كتب في عدد من الصحف والمجلات الأدبية اليمنية والعربية. شارك في العديد من الفعاليات الثقافية والندوات الأدبية داخل اليمن وخارجها. يميل في شعره إلى التعبير عن هموم الإنسان اليمني وتفاصيل الحياة اليومية، ويتميز أسلوبه بلغة سلسة وصور شعرية عميقة. له حضور في وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لنشر نصوصه والتفاعل مع قرائه.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا