الصفحة الرئيسية التاريخ لوحة فنية من الفسيفساء للفنان التشكيلي العالمي الطيب زيود

لوحة فنية من الفسيفساء للفنان التشكيلي العالمي الطيب زيود

الرموز ودلالاتها في الموروث الشعبي بشمال افريقيا (الكليم التونسي)

184 مشاهدات 5 دقائق اقرأ

يقول افلاطون ( أن الفن سحر يحرر من كل سطحيته وهو جنون وهذيان) ويقول آخرون ( بدون جمال لا يوجد عمل فني) ذلك ما أراد كتابته لنا المبدع الطيب زيود وجسده في لوحته بعلاقته بين الماضي بالحاضر من خلال محاولاته الابداعية بإعادة كتابة التراث برسمه للوحة الفسيفساء فرغم حجمها البسيط ( 1،2 \ 0،8 متر) إلا أنها تحمل بعدا أسطوريا منذ فجر التاريخ ؟

فرغم بعدها الزمني العميق إلا اننا امام لوحة تحكي نصا تاريخيا كان مقدسا في فترة ما من تاريخ تونس القديم من خلال رمز الخصوبة والسحر والخير والشر وعلاقتهما بالاسطورة . ان رموز الكليم هي تعبير عن افكار وتأملات دينية سابقة للمنهج العقلاني فمن خلال تتبعنا للتطور الفكري الانساني القديم من خلال النقوش والايقونات التي تزين حضارات ما قبل التاريخ وها نحن اليوم نحاول كتابة تلك الرموز الاسطورية باعتبارها لغة حروف لا رموز.

ليس الرمز في الموروث الشعبي التقليدي مجرد شكل هندسي او عبثي كما يعتقد البعض. بل هو منهج فكري وإيماني استخدمه الانسان الاول قبل معرفته للكتابة ليعبر به تعبيرا مجازيا عن مافي داخله من عقيدة ايمانية اسطورية عاشت وترعرعت في داخله منذ فجر التاريخ وقد أغوص عميقا عندما أجد أن تلك الرموز التي تزين جدران بيوتنا وسجادها التقليدي ورثناه منذ حقب زمنية قديمة تجسدت في لوحات الكهوف في الصحراء الكبري توارثناها عبر الزمن . ولها دلالة لغوية فقدنا قرائتها ويعود ذلك لعدة اسباب منها علي سبيل المثال عدم قراءتنا للماضي قراءة موضوعية للمفهوم الحقيقي للثراث من خلال ما كتب على السجاد من رموز وعلاقته بالماضي (عصور ما قبل التاريخ) فأحدث بذلك فراغا تاريخيا مظلما صنعناه بأنفسنا للاسف الشديد.

يعتبر علم الرموز(الايقونات) كمخطوط له لغته الرمزية ذو الخلفية التاريخية والثقافية ولا يمكننا قراءة تلك المخطوطات الا بدراسة معمقة للنقوش والرسومات التي تزين كهوف وجبال الصحراء الكبري فلا يمكننا قراءة رموز الكليم المغاربي أو التونسي دون الخوض في عالم ذلك الانسان الذي عاش منذ فجر التاريخ وكتب لنا حضارته ومعتقده الديني قبل كتابته الحرف على هيئة رموز لا زالت الي حد الان بحاجة لمن يقراءها قراءة موضوعية ومنهجية ومقارنتها بالمخزون التراثي لدى المجتمع المغاربي بصفة عامة والذي لم يقم بقطيعة مع الماضي بتاتا والادلة كثيرة على ذلك ما اشرت اليه. إن علم الايقونات والرموز يتناول عادة المعنى الاعمق للوسائط المرئية عبر تاريخ البشرية في مجالات الفلسفة والتاريخ والفن واللاهوت والانتربولوجية الثقافية لتلك المجتمعات البشرية القديمة فكلما تعمقنا في فهم التراث زاد تعمقنا في المفهوم العميق للتاريخ لذا فالتراث جزء لا يتجزء من التاريخ فما بالك لو علمنا أننا أمام عمق ونص تاريخي وديني لا يمكننا تجاوزه لاهمية رموزه الاسطورية .
يقول بعض المهتمين ان الثراث شيء عارض يتغير بتغير الزمن إلا ان عديد المختصين يؤكدون ان التراث من عادات وتقاليد وفنون بشتى أنواعها لها عمق ديني وروحي يعود تواصله عبر الزمن إلى آلاف السنين، ويبقي المقدس يآخذ مكانه داخل المجتمع رغم تغير المعتقد الديني وإن تحول الى عادات وتقاليد أوجب على تلك المجتمعات المحافظة عليه وممارسته من خلال طقويه التراثية .

ما عثرنا عليه في نقوش ورسومات ما قبل التاريخ هو مخزون ثقافي وتراثي لا يزال يقاوم الزمن بنصوصه الصامتة التي تحتاج لمن يستنطقها لتنير لنا الطريق وقد يزيح لنا اللثام عن اسرار واغوار تلك الرموز الاسطورية فارتبط الرمز بآلهات الخصوبة في حضارات ما قبل التاريخ بسبب أن الرمز أو الايقونة كانت ترمز أغلبها للالهة لأن آلهات الصحراء الكبرى لا وجود لوجوه ادمية مثل الشعوب والامم الأخرى بل رموز مثل الهة( تانيت – امون – بوسايدون ) وهذه العقيدة هي قمة الفلسفة اللاهوتية .
حيث يقول عالم المصريات رندل كلارك في كتابه (الرمز والاسطورة في مصر القديمة) مازال علماء النفس والانتربولوجيا يقدمون كل يوم ادلة مقنعة على ان المسائل الرئيسية الدينية والنفسية والاجتماعية مشتركة بين سائر البشر فلو عجزنا عن فهم افكار شعب من الشعوب لدل ذلك على اننا لم نتوصل بعد ال إدراك معنى تلك الرموز التي تجسد أفكاره .
ينقسم الكليم الى عدة نصوص رمزية من :

  • السلحفاة (الفكرونة) وهذا المخلوق البحري والذي يعرف عنه كثرة البيض الذي يخرجه في موسم ولادته وهو يرمز الى الخصوبة ولا يخفي على مطلع دور البيض في العادات والتقاليد في المفهوم الشعبي (كطقس في عاداتنا الشعبية) ومن الواضح القصد من وجود العدد في الكليم والغرض منه (تضع السلحفاة البحرية بيوضها من 60 الى 100)
  • العين اقترنت العين بمفهومنا الشعبي بالشر فاخترنا لها الخميسة التي توقف الشر من تلك العين التي تخرج لنا الشر مجسدا في السحر والفأل السيء ولكن في هذا الكليم فإن العين لن تفعل شيء ولن يكون لها مفعول امام رموز الخصوبة المحيطة بها كالخميسة والعين التي رسم بداخلها علامة (x) في الجانب الآخر من الكليم حيث نلاحظ وجود تلك العلامة والقصد منها إبطال وايقاف الشر، ولا يزال لدينا في الموروث الشعبي إستعمال المقص في الافراح والختان الى حد الان وهذا المشهد والذي اعتقد مشهدا دراميا ويمثل لنا صراعا بين الخير والشر وبطريقة رمزية .
    *الشكل الهرمي يشكل الشكل الهرمي جزء من الرمزية للمقابر القديمة والتي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وقد ظل ذلك النمط إلى وقت قريب سائدا في الواحات الصحراوية بشمال إفريقيا ولكن في هذا الكليم تعمد صانعه الأصلي إلى قلب الشكل الهرمي داسا على عقب ليعطيه معنى آخر وهو عكس الموت الا وهو الحياة وتلك مقارنة عجيبة أبدع فيها كاتب تلك الرموز .
  • الثعبان يعتبر من أكثر الزواحف التي ذكرت في الأساطير القديمة لدى اغلب شعوب الارض وقد عثر على نقوش ورسومات لعصور ما قبل التاريخ لهذا الزاحف المثير والغامض في آن واحد لقدرته القوية على العيش والتأقلم وهو يجسد في مخيلتنا الشعبية الحارس ورمز من رموز الخصوبة رغم خطورته ولكن ربطه كرمزية يعود لقوته وعلاقته بظاهرة الخصوبة (لا يختلف الثعبان حول كمية البيض في موسم ثكاتره عن الفكرونة او السلحفاة فعدد بيوضه من 1 الي 100 بيضة ).
  • المزيج من الحوتة والنجوم وهو رمز من رموز الالهة تانيت(تينيت) هذا المزيج من الرمزية والتجانس بين السمكة وهي رمز من رموز الأخصاب وأيضا النجوم ايضا حيث يعتبر النجوم بجميع تشكيلاتها (الخماسية او السداسية او الثمانية) ليست حكرا على شعب معين بل هي رمزية مقدسة منذ القدم ولكن يختلف مفهومها من شعب الى آخر. فشمال افريقيا مثلا تعتبر النجوم رمزا ديني عثر عليه في قرطاج وليبيا والجزائر أيضا . ورمزية التمازج بين السمكة والنجوم هو التمازج بين إلاه البحر بوسايدون وتانيت لانهما يحملان نفس الخصائص .
  • الرمزية التي بعدها مباشرة تؤكد لنا حركة السمك داخل البحر وهنا تكمن رمزية الخصوبة في عدد السمك وحركتها الطبيعية في البحر ورمزية الخصوبة تتجسد فيها ولسمكة رمزية لدى شعوب المتوسط ومصر القديمة وتمارس الى حد الان كشيء من الموروث الثقافي (تبيض السمكة الي 200 بيضة)
  • تكرار رسم السلحفاة (الفكرونة) ولكن في بعض الاحيان بخمسة أرجل وثلاثة أرجل والقصد من ذلك هو الخميسة وهي رمزية للكف والثلاثية رمز تانيت ايضا وقد عثر على رسومات عديدة لكف اليد منذ عصور ما قبل التاريخ كمعتقد ديني وأغلبنا نعلم ماهو دور كف اليد في الموروث الشعبي كرمز من رموز ابطال الشر وابعاد السحر والعين الشريرة كما يعتقد في معتقداتنا الشعبية .
  • هنا ايضا يعود بنا صاحب تلك الرموز الي قوة العين وكيفية ابطال قوتها الشريرة بوضع علامة X داخل دائرة العين واختلاف الوان العين عن الرسم السابق وهنا يجيبنا مبدع تلك الرموز الى انتصار الخير على الشر بتغير لون العين وولمعلومة لازال في موروثنا الشعبي إستعمال المقص بفتحه وإقفاله امام العروسة لحمايتها من العين الشريرة كما يعتقد .

لا زلت دراستنا للرموز في طور الطفوله ولا يمكننا قراءة النص الأصلي لاننا فقدناه ولست هنا الا محاولة للترجمة لانه الاسلوب التعبيري قديما يختلف عن الاسلوب الحالي فكلما تعمقنا في دراستها كلما تكشف لنا طبيعتها الادبية ومضمونها الفكري وانني احاول ان اقدم تفسيرات قدر المعلومة التي بين ايدينا في نقوش ورسومات ما قبل التاريخ ولأن تلك الرموز لها إتصال مباشر بالادب والاساطير اتصالا وثيقا وقد حرصت على بيان اهمية تلك الرموز ودورها في الموروث الشعبي وانها لم تكن شكلا هندسيا ولا عبثيا بل هو يمثل العمق التاريخي والادبي والاسطوري للمجتمع فقدنا قرائته بمرور الزمن .

  • باحث ليبي
    د. شوقي إبراهيم معمر هو أستاذ وخبير في دراسة التاريخ الليبي القديم وشعوب ما قبل التاريخ، له حضور بارز على الساحة الأكاديمية في ليبيا والمنطقة. نُظّمت له محاضرات مثل محاضرة بعنوان «تاريخنا الذي لم يُقرأ» نظّمها المركز الليبي للدراسات التاريخية، حيث قدّم خلالها تحليلاً عميقاً يعتمد على الأدلة المصوّرة والملاحظات الأثريّة والتاريخية، مبرزاً تداخل الحضارة الليبية مع المصرية القديمة، بما في ذلك النقوش الأمازيغية (التيفيناغ) في الأهرام ومقابر الفراعنة . كما ألقى محاضرة أخرى وضّح فيها أن الذاتية المتعلقة بثقافة فينيقيا تعتبر "أسطورة"، مؤكداً على أصالة الحضارة القرطاجية الليبية يحظى د. معمر بتقدير كبير كمؤرّخ محلي يتمتّع بأسلوب سرد واضح وقدرة على توظيف الأدلة الميدانية لتنقيح التركة التاريخية لليبيا. يجمع بين المناهج الأكاديمية الصارمة والعرض السلس لجمهور لا يقتصر على المتخصصين فقط. بحثه يركّز على إثبات استمرارية الحضارات الليبية، وعلاقتها المتبادلة مع حضارات البحر الأبيض المتوسط القديمة. في الملخص: د. شوقي إبراهيم معمر هو مؤرخ ليبي متخصص في التاريخ القديم، قدم خلال السنوات القليلة الماضية عدة محاضرات محكمة – مثل “تاريخنا الذي لم يُقرأ” – اعتمد فيها على نصوص وأدلة أثرية لتعزيز الهوية التاريخية الليبية. أظهر من خلالها التأثير والثقافة المشتركة بين ليبيا ومصر القديمة، كما رفض الروايات التي تصف حضارة فينيقيا ككيان مستقل عن التراث الليبي، وقام بتسليط الضوء على الحضارة القرطاجية كامتداد محلي أصيل.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا