غزة.. ما كان عليها
أن تحتج أو تصرخ..
ما كان عليها أن تروي
أصل الحكاية في خطيئتها
أن ترفض أي اعتراف بجريمتها
أن تعري صفقة سماسرة القرن
يساومون الله والشيطان
على عشقها العذريّ..
إنما كان عليها..
أن تحني الظهر.. وأن ترضخ..
غزة.. ما كان عليها
أن ترفض أسرها
في غياب صلاح الدين..
ذاك الذي رجم بطهر مريم
جيش المغول والتتار الوافدين
كان يقدّر مهرها..
ما استأخر ساعة عنها
حتى يكتب نصرها
قبل أن تطوى أجنّتها وتمسخ..
غزة.. ما كان عليها..
أن تقدح شرر الزوابع..
بعد عولمة الهوية
بعد انقلاب أنظمة الوجود
في غياب الهرم الرابع..
بعد أن صار لنفط الخيانة سعر
وعلامات وعملات توابع..
ما كان عليها.. أن تعتنق
لغة الهتافات.. والشعارات الروادع
ولا أن تذكر مجد تموز الفرات
ولا ذاك النهر الأسمر
ولا الحلم العربي الأخضر
ولا أن تصلي للمدافع بعدهم أو أن تعاند..
بعدهم لم يعمّدها أحد
وحدهم كانوا عزوتها
وكانوا لها السند
في زمن الأوهام الضائع..
أصبحت حرف نداء بلا منادى
وسؤالاً حائرًا دون إجابة
سيرة صارت هباءً..
وتولت.. وتردّت..
قالوا: لا بد أن تفسخ..
غزة.. يا جرحًا لا يكف عن العويل
يا نارًا تحرق زهر العروبة بالنهار
وتسحق بالليل حلم الربيع الجميل
ما خانك غير عقوق المحارم
وجحود إخوة النفط الذليل
وملوك أخطأوا قبلة الأقصى
حيثما ولّوا الوجوه
اتخذوا الغرب دليلاً
أولئك يا غزة.. هم الغزاة..
هم العداة.. والجناة..
هم ونحن.. كلّنا.. خنّا هواكِ..
كلّنا بفتات الذل بعناكِ..
بعضنا خسفًا وجبنًا..
بعضنا حمقًا وعجزًا..
بعضنا قهرًا وغبنًا..
بعضنا هلّل من نخوة الشرف الرفيع
مسرورًا بذبحك
دمه الموات لم يخجل من دمك..
من دم طفل يغني للحياة..
وهو يُذبح ولطين الأرض ضمّخ..
عذرًا.. يا غزة.. عذرًا
دمك الساخن من فورته
هتك سرّا وسترا
جوعك الشامخ..
أسقط أوراق التوت عن قلوب
ما عادت تغضب أو تصرخ..