الرئيسية » كافون: فنان تحدى الألم وترك رسالة قبل الرحيل

كافون: فنان تحدى الألم وترك رسالة قبل الرحيل

0 تعليقات 119 مشاهدات 4 دقائق اقرأ

في زمنٍ أصبح فيه الفن أداة للترفيه أكثر منه وسيلة للتأثير، برز اسم كافون – واسمه الحقيقي أحمد العبيدي – كأحد الأصوات الصادقة في عالم الراب التونسي. لكن خلف الأضواء والإيقاع الصاخب، كانت هناك قصة صراع مؤلمة مع مرض نادر، انتهت بوفاته المفاجئة في 10 مايو 2025، عن عمر يناهز 43 عامًا، تاركًا وراءه أثرًا فنيًا وإنسانيًا لا يُنسى.

بداية المسيرة: بين الموهبة والشارع

وُلد كافون في تونس، وتربى في الأحياء الشعبية التي كانت مصدر إلهامه ووجعه معًا. انطلق في عالم الراب بأسلوبه الخاص، المتأثر بلغة الشارع، وصراعاته، وحلمه بالتحرر. عُرف الجمهور التونسي عليه لأول مرة من خلال أعماله الفردية، ثم تألق بشكل أكبر عندما تعاون مع فنانين آخرين أبرزهم بلطي، حيث قدما معًا أغنية “Ya Lili” التي حققت شهرة واسعة، وجعلت اسمه يتردد خارج تونس أيضًا.

أبرز أعمال كافون

حوماني مع محمد أمين حمزاوي

سنة الإصدار: 2013

نوع العمل: راب اجتماعي

الوصف: هذه الأغنية هي أشهر أعمال كافون على الإطلاق. تحولت إلى أيقونة في الراب التونسي، وأصبحت رمزًا لصوت الحومة (الحي الشعبي). بكلماتها الصادقة، سلّطت الضوء على التهميش، الفقر، العنف، والبطالة في الأحياء المهمشة بتونس.

الإنجاز:

أكثر من 50 مليون مشاهدة على يوتيوب.

فيديو كليب صُوّر بميزانية لا تتجاوز 250 دينارًا تونسيًا، ومع ذلك حقق صدى عربيًا واسعًا.

نحب نقلع

رسالة الأغنية: الرغبة في التغيير والتخلص من القيود.

الأسلوب: مزيج من الراب والإلكتروني، يحمل طاقة تمرّد.

الانتشار: من أكثر الأغاني التي أداها كافون بشكل منفرد وأحبها جمهوره.

دلولة مع IN-S

نوع العمل: أغنية رومانسية/شعبية بإيقاع عصري

النجاح: نجحت في الجمع بين اللهجة التونسية والإيقاع السهل الانتشار، ما جعلها تصل إلى جمهور واسع داخل وخارج تونس.

أمازون مع Didine Canon 16  

التعاون: تونسي- جزائري ناجح

الإيقاع: إيقاع غربي، كلمات تمزج بين الغضب والثقة بالنفس، وجمهور واسع خاصًة من الشباب المغاربي.

ساعة رڨوج

الوصف: من أحدث أغانيه قبل وفاته. تتناول أجواء التوتر، القلق، والانعزال الذي يعيشه الإنسان المعاصر.

مشروع أفريقي جماعي

المشاركة: شارك فيه كافون إلى جانب نجوم من القارة الأفريقية مثل فانيكو، إيبا وان، وستانلي إنو.

الرسالة: فخر بالهوية الأفريقية، الوحدة، والانتماء القاري.

رغم أن أغنيته “حوماني” تظل الأكثر شهرة وتأثيرًا، فإن كافون استطاع أن يكوّن مكتبة موسيقية ذات طابع متنوع تراوحت بين الاجتماعي، الشخصي، والسياسي. جمع في مسيرته بين الصدق، البساطة، والرسالة، ما جعله محبوبًا من شرائح مختلفة من الجمهور، خصوصًا من الشباب المهمشين الذين رأوا فيه صورة عن أنفسهم.

المرض الذي كسر الجسد ولم يكسر الروح

وراء هذا النجاح، بدأت معاناة كافون مع مرض صامت وخطير. في عام 2017، بدأ يشعر بآلام حادة في ساقيه، ليكتشف لاحقًا أنه مصاب بمرض نادر يُسبب انسدادًا حادًا في الأوعية الدموية الطرفية، وهو ما يُشبه في طبيعته مرض “Buerger’s Disease”. وهو مرض التهابي يصيب الأوعية الدموية الصغيرة والمتوسطة، غالبًا بسبب التدخين المزمن.

تطوّرت الحالة، وخضع كافون لعملية بتر ساقه الأولى، ثم لم تمر سنة حتى أُجبر على بتر الساق الثانية، ليفقد بذلك قدرته على المشي الطبيعي. وكان المشهد صادمًا لجمهوره، لكنه لم يُخفِ الحقيقة، بل واجهها بقلب مفتوح وقال في لقاء تلفزيوني:

أنا سبب حالتي… أنا اللي دمرت روحي بيدي. التدخين، والمخدرات، والسهر، واللامبالاة. هذا الثمن دفعتو، وحبيت الناس تفهم قبل ما يفوت الأوان.”

فنان برسالة

رغم المعاناة الجسدية، عاد كافون إلى الفن بعد العمليات. لم يعد فقط فنانًا، بل أصبح صوتًا توعويًا، يخاطب الشباب، يحذرهم من الانزلاق في نفس الطريق، ويشجعهم على التمسك بالحياة. استُضيف في برامج تلفزيونية، وتحدث عن أهمية الصحة، وعن ضرورة الإقلاع عن التدخين، والاهتمام بالنفس، معتبرًا ما حدث له “فرصة ثانية لبثّ رسالة حقيقية”.

لم يكن يحاول أن يُلهم الناس فقط، بل أراد أن يُنقذهم من مصير يشبه مصيره. كان مؤمنًا بأن “الفن مسؤولية”، وأنه لا يجب أن يبقى بعيدًا عن الواقع.

الرحيل الصادم

في صباح يوم السبت 10 مايو 2025، أُعلن عن وفاة كافون إثر جلطة دماغية مفاجئة أثناء نومه. رحل الفنان الذي عرفته الأحياء الشعبية، وغنى لها، وعانى مثلها. كانت وفاته صادمة، رغم أن معاناته لم تكن خفية.

كثير من محبيه كتبوا عبارات حزينة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن أبرز ما تداوله الناس هو فيديوهاته الأخيرة، حيث ظهر على كرسي متحرك، يبتسم، ويقول:

ما لازمش تيأس، خاطر كي توصل للآخر وتفقد كل شيء، وقتها تفهم قدّاش الحياة كانت تستاهل تعيشها.”  

إرثه… صوت لا يُنسى

كافون لم يكن مجرد مغني راب، بل كان شاهدًا على الألم، وعلى الإهمال، وعلى ثمن الخيارات الخاطئة. كنه لم يترك وراءه اليأس، بل ترك صوتًا قويًا يدعو إلى الأمل، والمسؤولية، والحياة. في ذكرى وفاته، سيظل يتردد اسمه، لا كضحية، بل كفنان قاوم، وتكلم، وأحب بلاده، وأحب الناس.

فريق تحرير مجلّة نيابوليس الثقافية

اقرأ أيضا

المراسل

أترك تعليقا

اترك تعليقًا

* باستخدام هذا النموذج فإنك توافق على تخزين بياناتك ومعالجتها بواسطة هذا الموقع.

-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00