الحرب الأهلية..من أبشع الحروب على الإطلاق. فهي تدمر البلدان والشعوب والبشر دون رحمة.
فإلى جانب الخسائر البشرية والمادية, يفترق بسببها الأهالي والأصدقاء ويقضى على مستقبل أجيال وأجيال..تتحول حياة الناس إلى جحيم لا يطاق يفر منه الكثيرون ويعلق فيه آخرون مغلوبون على أمرهم.
وعائلة إبراهيم .ش هي مثال عن عديد الأسر التي تشتت تحت وطأة الحرب القاسية. كان إبراهيم.ش لاعب كرة قدم مشهور في الصومال وأثناء الحرب الأهلية لجأ إلى ألمانيا مع ابنته ياسمين التي تزوجت هناك وأنجبت أربعة أطفال.
كان إبراهيم يشتاق كثيرا إلى عائلته وخاصة والدته. كانت ظروفهم صعبة أيضا هناك حيث اندلع حريق كبير في منزل ابنته ياسمين التي تعرضت بناتها إلى حروق بليغة, تشوه على إثره وجه إحداهن. مما أجبر ياسمين على إصطحابها كل أسبوع لحصص علاج مكلفة.
أما والدة إبراهيم عمرة التي تبلغ من العمر 90 عاما فقد فرّت هي وإبنها عبد الله وحفيدتها فاطمة إلى أثيوبيا أثناء الحرب. وظلّت عمرة عالقة هناك ولم تستطع اللحاق بأبنائها في أوروبا.
فظلت تعيش في حي من الأحياء الفقيرة في كوخ صغير. عانت عمرة من ظروف مريرة جدا . خاصة وأن عبد الله, الذي فقد ولديه الإثنين أثناء الهروب من الصومال, عاطلا عن العمل. كان يدعي أن حبه الشديد إلى أمه منعه من تركها بمفردها واللحاق بأخوته في أوروبا.
كانت عمرة تعتمد تماما على حفيدتها فاطمة في حياتها اليومية , ابنة الستة عشر ربيعا, التي إنقطعت عن دراستها بسبب الحرب لتجد نفسها أسيرة كوخ صغيرو تنحصر حياتها في القيام بالأعمال المنزلية من تنظيف وغسيل وطبخ أو الذهاب إلى السوق..
لقد تحطمت آمالها وأحلامها تماما..
لم يكن إبراهيم الإبن الوحيد الذي افترق عن عمرة , فلديها ابن آخر لجأ إلى إيطاليا ,و الذي كان يعاني من عجزه عن إيجاد عمل قار هناك. كان يدعي أنه كان مطربا مشهورا في مقاديشو لما كان شابا.والآن يقتصر عمله على تسجيل بعض أغانيه على اليوتيوب لجمع القليل من المال , يعيش في السكن الاجتماعي هناك ويتمتع بمنحة لاجئ.
كان هذا الابن يفكر في والدته طوال الوقت.كان يشتاق اليها كثيرا ومما زاد في ألمه هو رفض السلطات الإيطالية السماح له بجلب أمه للعيش معه هناك نظرا لسنها و أيضا ا لأنها تعتبر في كفالة ابنها عبد الله.
وفي يوم من الأيام , شاءت الأقدار أن يزور إبراهيم.ش وابنته ياسمين وأحفاده عائلته في أثيوبيا. تستقبلهم الجدة بحرارة . يلتقي أفراد العائلة ببعضهم البعض بعد سنوات من الفراق..كان اللقاء مؤثرا كثيرا.
لكن سعادة ياسمين بهذا اللقاء لم تدم طويلا, فهي لم تكن تتوقع مدى صعوبة الحياة هناك..كوخ صغير..حيطان مهترئة..سقف من قصدير..مرحاض جماعي..طعام زهيد تطبخه فاطمة,تضطر ياسمين هي وأبناءها لمقاسمتهم إياه وللأكل بأياديهم دون ملاعق..
تفاجئهم الجدة بشكواها من ابنها عبد الله وتقول أنه يسيء معاملتها ويستحوذ على جميع الأموال التي ترسل إليها وتصر على إبراهيم أن يصطحبها للعيش معه في ألمانيا, الذي يعتذر منها مخبرا إياها أن الوضع الحالي لا يسمح له بذلك فهم لاجئون هناك وأن عليها العودة إلى الصومال بعد أن هدأت الحرب.
ترفض الجدة العودة دون حفيدتها فاطمة التي كانت تريد السفر إلى كندا للعيش مع خالتها و مزاولة تعليمها.
يعد إبراهيم أمه وفاطمة بتسوية وضعيتهن..
يلتقطون صورا تذكارية قبل الرحيل.. يعانقون بعضهم البعض..ثم يفترقون ..
بعد فترة, تقرر فاطمة العودة مع جدتها الطاعنة في السن إلى الصومال متخلية عن حلمها.. وأيضا إبراهيم.
في حين يبقى عبد الله في أثيوبيا بمفرده يواجه بمفرده صعوبات الحياة الفقيرة هناك حاله حال أخيه أللاجئ في إيطاليا والذي ظل أسير البطالة والتشرد ..
هذه قصة من قصص كثيرة لا تحصى من العائلات التي ذاقت وبال الحروب الأهلية التي لا ترحم أحدا.. عائلات تشتت وتبعثرت بحثا عن الأمان المفقود في أوطانها.