الصفحة الرئيسية دراسات ونقد شعري قراءة نقدية للأديب الناقد أبو محمد الصفار لنص الشاعرة العراقية رجاء الغانمي “حجرة انتظار”

قراءة نقدية للأديب الناقد أبو محمد الصفار لنص الشاعرة العراقية رجاء الغانمي “حجرة انتظار”

72 مشاهدات 3 دقائق اقرأ

ان قصيدة “حجرة انتظار” للشاعرة العراقية البارزة السيدة رجاء الغانمي من النصوص المميزة التي تتيح فرصة مناسبة وعميقة للتطرق الى جوانب مختلفة في عالم فن الشعر عموما وعالم قصيدة النثر خصوصا. لما تشتمل عليه من جنبات ابداعية متنوعة وقيِّمة في ذات الوقت.
وفي مقدمة ما تطرحه القصيدة قضية الشعر والتجربة الانسانية والعلاقة الجدلية التي تتحرك بينهما وفيهما ايضا. فالتجربة لدىٰ الشخص الاعتيادي لا تفضي الى الشعر طبعا. بينما تجربة الشاعر الموهوب تنتج نصا شعريا. مما يؤشر سؤالا مهماً ناتجا عما سبق مفاده ان الشعر مادام يستطيع تحويل التجربة الانسانية الى شعر فهل بمقدوره الابتداعي تحويل الرؤيا الشعرية الى تجربة انسانية.؟
وللجواب مساران بنظري اولهما الارتكان الى الميتاشعرية والانزياح بها بعينها الى اشغال حيز الحياة واضفاء مقوماتها المحضة على العالم . فتصبح الحياة بذاتها عبارة عن قصيدة. وهذا هدر للحياة وللشعر باعتباره ليس معالجة جمالية بقدر ماهو عجز النص عن ملاقحة الطرفين بمعيار الضرورة الابداعية وجنوحه الى محو طرف، الحياة، لصالح الطرف اخر، الشعر، فيذهب الطرفان في النص ادراج الرياح.
والمسار الاخر ابتكار التجربة الانسانية برؤيا شعرية تؤطرها او تحويلها الى إطار شعري يلتئم عليها. فتنبعث القصيدة ” الشرعية “، بطاقة الميتاشعرية وليس بمواصفاتها وخصائصها الفكرية الصرفة، حياةً بصيغة ” مشروع ” مصيري فيه اشكال وفيه جمال أحدهما يسبب الاخر وينتج عنه ذات اللحظة. حتىٰ يصح القول ان الشعر ينزاح بالتجربة اليه او ينزاح بذاته اطارا لتجربة مبتكرة.
وفي نطاق المسار الثاني استطاعت الشاعرة رجاء الغانمي بمنتهىٰ المطبوعية من ايجاد قصيدة تارة تتبنىٰ التجربة وتصعدها فنا مميزا:

من اين تصنع الحقائب، سياط الجلادين،
وأحذية الحسناوات؟
وجودك المنسيُّ لا يستثني القواعد.!!

وتارة تبتدع التجربة بطاقة الميتاشعرية وترحلها الى حياة ” مشهودة ” قائمة بذاتها:

قالوا: إنك حجرة انتظار
على السقف ارجوحة بالية
لا تعرف الدقائق
تعد المواقد لحفلة شواء …!!

وفي تأسيس وبيان هذه الفاعلية المتحركة بين قطبي القصيدة المهمة هذه تنطلق الشاعرة من جهتين ابتداعيتين احداهما تعضد وتكمل الاخرىٰ.
الاولىٰ في ايجاد صور شعرية ” حية ” تتناسل من بعضها بغية انبعاث العالم في الشعر وبه مخلوقا مبتكرا اصواتاً ومشهدياتٍ. من خلال مفهوم للصورة الشعرية استدل اليه عبر تجليات المقومات الفنية للموجودات ونشاطها في النص. مؤداه بصورة مركزة هو ” ان الصورة الشعرية عبارة عن مداخلة سمعبصرية ذات منطقة اشتباك حسية عقلية تُعرض في زمن موسيقي منسجم “. كهذه اللوحة الغرائبية المدهشة مثلا:

جلدك، ايها القديم، ينضج ببطء
مثل الطواحين حين تدور
على مقربة من فمي …!!

فالسمع والبصر في حومة التحام حسي عقلي دافق الحراك منضبط بنسق ” زمن موسيقي “غاية في الانسابية، مبتكر واصيل معا. فهو جديد غير مسبوق ابتدعت انسجامه الشاعرة الخلاقة التصوير. وهو تأصيلي مندفع من رحم موسيقىٰ اللغة العربية اسبابا واوتادا وتفعيلات مختلفة حقا الا انها متناسقة “هارمونيا ” حقا ايضا:

سبب خفيف + سبب ثقيل / سبب خفيف + وتد مجموع / وتدم مجموع + متحرك / سبب خفيف + سبب ثقيل / وتد مجموع + سبب خفيف / سببان خفيفان / وتد مجموع + سبب خفيف / وتد مجموع + متحرك / وتد مجموع + متحرك / وتد مجموع + سبب ثقيل / سبب ثقيل + سبب خفيف / سبب خفيف + وتد مجموع.

ويمكن تأشير ” تفعيلات ” المنسجمة هارمونيا بناء على التحليل اعلاه كالآتي:

فاعلَ / فاعلنْ / فعولَ/ فاعلَ/ فعولنْ / فعْلنْ / فعولنْ/ فعولَ / فعولَ / فعولنْ / فعَلنْ / فاعلنْ..

فيظهر ان الشاعرة بعفوية ابداعية نقية بنت صورتها موسيقيا علىٰ تفعيلات” دائرة المتفق من متدارك وخبب ومتقارب ” باتساق سمعي صافٍ لا غبار عليه مكرسة روح الشعر العربي التعبيرية الغنائية الاصيلة دون تقليد في نصها الشعري المنثور المميز الجمال هذا في كافة ابنية وعروض صوره ذات الافكار المعمقة فعلا.

اشارة: الحركات العروضية اثنتان فقط هما الفتحة التي تعبر عن نفسها وتنوب عن الضمة والكسرة فقط. وحركة السكون.

مع ابلغ التقدير والثناء.

الأديب أبو محمد الصفار

نص القصيدة:

حجرة انتظار

من أين تُصنع الحقائب، سياط الجلادين،
وأحذية الحسناوات؟

وجودك المنسي لا يستثني القواعد.

قالوا: إنك حجرة انتظار،
على السقف أرجوحة بالية
لا تعرف الدقائق،
تعد المواقد لحفلة شواء.

جلدك—أيها القديم—ينضج ببطء،
مثل الطواحين حين تدور،
على مقربة من فمي.

كل الاعترافات تبتلع ذلك اليقين،
في مسيرة كنت أنت أولها،
زيادة لا احتواء.

فينضج النضوج نفسه،
كرتين بطعم الدباغ،
لأراك في زاوية احتضار.

كتبت عليها السنين:
متاح للعابرين… للغابرين.

أيها المنسي،
وجودك لا يستثني القواعد.

الشاعرة رجاء الغانمي

  • شاعرة عراقية
    الشاعرة العراقية رجاء إسماعيل الغانمي، وُلدت في منطقة الكاظمية بالعاصمة بغداد، وتُعد من الأصوات النسائية البارزة في المشهد الشعري العراقي المعاصر. تتميز قصائدها بعمقها الإنساني والوطني، حيث تنسج نصوصها بأسلوب شعري يتراوح بين الرمز والتأمل، مستلهمة من الواقع العراقي وتفاصيله الحياتية. تُعد الغانمي عضوًا فاعلًا في عدة مؤسسات أدبية وثقافية، منها: عضو اتحاد الأدباء العرب عضو ملتقى الشعراء العرب عضو ملتقى الشعراء والأدباء العرب عضو الأكاديمية الدولية للشعراء والأدباء العرب من أبرز أعمالها ديوان "حدائق البوح"، الذي صدر عن دار منشورات كلكامش في العراق، ويعكس تجربتها الشعرية الغنية. كما نشرت العديد من قصائدها في مجلات أدبية مرموقة، مثل "أزهار الحرف" و"بصرياثا"، حيث تناولت في قصائدها قضايا الوطن والهوية والمرأة. تُعرف الغانمي بحضورها الفاعل في المشهد الثقافي العراقي، حيث تشارك في الأمسيات الشعرية والفعاليات الأدبية، مسهمةً في إثراء الحركة الشعرية النسائية في العراق. تُجسد رجاء الغانمي في مسيرتها الشعرية صوتًا نسائيًا عراقيًا مميزًا، يعبر عن هموم الوطن والإنسان، ويُسهم في إثراء الأدب العربي المعاصر.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا

سجّل اسمك وإبداعك، وكن ضيفًا في محافلنا القادمة

ندعو الأدباء والشعراء وسائر المبدعين إلى أن يُضيئوا حضورهم بيننا بتسجيل أسمائهم وتعمير الاستمارة التالية، ثم النقر على زر «أرسل» ليكون اسمكم ضمن قائمة الدعوات إلى تظاهراتنا الثقافية القادمة — حيث يلتقي الإبداعُ بنبض الحياة، وتُصاغ الكلمةُ في فضاءٍ يليق بكم وبأحلامكم.