الصفحة الرئيسية تقديم إصدارات روائية فاطمة البوبكري: تقدّم دراسة بعنوان “الكتابة الروائية بين البنى اللغوية والبنى الاجتماعية من خلال أعمال جميلة بلطي عطوي الروائية”

فاطمة البوبكري: تقدّم دراسة بعنوان “الكتابة الروائية بين البنى اللغوية والبنى الاجتماعية من خلال أعمال جميلة بلطي عطوي الروائية”

101 مشاهدات 16 دقائق اقرأ

تتشرّف المجلة الثقافية نيابوليس بنشر المداخلة التحليلية والتقديمية لأعمال جميلة بلطي عطوي الروائية بعنوان “الكتابة الروائية بين البنى اللغوية والبنى الاجتماعية من خلال أعمال جميلة بلطي عطوي الروائية.” للكاتبة والباحثة القديرة فاطمة البوبكري التي شاركت بها في الدورة الخامسة لمنبر الشعر والأدب بنابل تحت شعار: “تمثّلات المرأة في الرواية مفتاح لقراءة المجتمع” وذلك يوم الأحد 30 نوفمبر 2025 بالمنتجع الريفي الإيكولوجي دار كبّورة نابل

نص الدراسة:

مقدمة:

اختيارنا لهذا الموضوع وإعداد مداخلة في هذه المناسبة الكريمة هو ناتج عن سببين منهجيين وهما:

أولا لأنه لا يمكن الفصل بين ما هو أدبي وما هو لغوي، أي مدى ارتباط المستوى اللغوي بما ننتجه أدبيا، فالأدب لُعب لغوية على حد مذهب فتغنشتاين.

ثانيا لما يمثّله الثقل الثقافي والاجتماعي والتحرك الزمني من مكوّن فاعل فيما نكتبه. فالكتابة بنية لغوية ضمن بنية اجتماعية عامة.

وهما نقطتان أساسيتان للحديث عن أدب روائيّ عامة وعن كتابات جميلة بلطي عطوي بصفة مخصوصة. وذلك لما تميزت به كتاباتها من بعد اجتماعيّ بارز عملت اللغة لديها على إبراز تلك الجوانب وتلك القضايا المطروحة في أعمال أديبتنا التي اختارت للمنحى الاجتماعي الواقعي إطارا لإنتاجاتها الأدبية التي حصرناها في الكتابة الروائية دون الشعرية في هذه المناسبة.

المستوى الأول:
البنية اللغوية في خدمة حركة الأحداث في الرواية:

منذ البدء ومنذ العنوان: “عند غروبها أشرقت” تنطلق الرواية
برحلة مع القارئ ليتعانق مع ثنائية تتسم بالتضاد، وتتمثل في الجمع بين لفظ “الغروب” ولفظ “أشرقت” والذي يجمع بينهما ظرف مضاف “عند”. ومن استعمالاته ما يفيد الزمان كما يمكن استعماله للمكان..
 وما يجمع بينهما أيضا هو لون الغلاف الذي جمع بين الأحمر والبرتقالي والاصفر وهي ألوان الشروق والغروب ولكن بدرجات يتفاوت فيها كل لون من المشهد الطبيعي وموقعه حسب حركة الزمن إن كان شروقا أو غروبا، كذلك هو الفعل المتغير الذي تشهده أحداث الرواية هو متدرج يكون حسب دورِ الشخصية الروائية وموقعِها من تطور الوقائع في الزمن، هو زمن الغروب بعد الشروق وزمن الفعل بعد الاستكانة.

وقد اخترنا بعض البنى اللغوية التي تساعد على تحديد الأبعاد الفنية والفكرية والأدبية والاجتماعية وغيرها للعمل الأدبي. من قبيل المستوى التركيبي في العنوان، التأنيث في صياغة العنوان، ظاهرة التكرار في النص المُنتَج.

أ – المستوى التركيبي في العنوان:

إنّ اختيار العنوان مهمة المؤلفة، ولكننا سنعثر على أثر ذلك خلال راوية الأحداث وسردها ولدى بطلة تلك الأحداث التي عاشت محطات من حياتها تجسد تلك الحركة من تفتح وذبول، من إشراق وغروب من وضوح وغموض. (أي أن العنوان نسجته حياة البطلة الاجتماعية أيضا).

“عند غروبها أشرقت “:
إن تعاملَ الكاتبة مع الزمن تعامل إبداعيّ. فما تعودنا عليه هو أن زمن الغروب يكون بعد الشروق، إلا أنّ العنوان يحمل دلالة مختلفة بل معاكسة: الأصل في المعنى غربت بعد أن أشرقت / إلا أنّ هنا أشرقت بعد الغروب (حركة دورية). ففي الشروق بعد الغروب هناك فعل بعد استكانة، حركة بعد موت، وهنا يكمن ثقل معاني النص الذي بين أيدينا ودلالاته.

لنسأل: لمَ قدمت الكاتبة الظرف الزماني على الفعل؟ عند الغروب / أشرقت، ولم تقل العكس؟ رغم قوة دلالة الفعل أمام تراجع الظرف.
يعود ذلك لاهتمامها بأهمية الظروف الزمانية وتأثيرها في حياتها أولا باعتبارها شخصا فردا، وثانيا باعتبارها رمزا لوطن جمعٍ فنحن أمام ثنائية، وهو ما سيلاحظه القارئ بعد تجاوز عتبة العنوان.

ما يميز ثنائية غروب / أشرقت:

اللافت للانتباه هو أن اللفظين وردا على صيغتين صرفيتين مختلفتين: غروب (مصدر مشتق)، اشرقت (فعل تامّ في زمن الماضي مع إيحاء بالامتداد في الزمن إلى الحاضر). وكأن التقابل الذي يدلّان عليه يزيد قوة في المعنى، فكيف تمكنت الكاتبة من الجمع بينهما؟ هل هو من باب القدرة على بناء الجديد المنتظر بدوافع الواعي المتأمل الفاعل؟ فإنّ جمع الشروق مع الغروب بدلالاتهما لم يكن حبيس العنوان فقط، بل هو مبثوث في كلّ فصول الرواية.

الجمع بين غروب من جهة وبين شروق من جهة أخرى، هو ما يؤكد هذه القيمة لعنصر الزمن في الرواية وما يعتري الكاتبة من هواجس الأحداث خلال ذلك الزمن الذي امتدّ في الذاكرة ليبلغ سالف السنوات من حياة البطلة، ومع ذلك الامتداد هو أيضا زمنٌ تقلَّصَ حدَّ بلوغه اختناق شخصيّتين بدتا حاملتين لمشعل المراوحة بين الحاضر والماضي لدرجة الإرهاق (تونس / صالح) ننصت إلى شخصية صالح وهو يفرج عن ذاك الاختناق بقوله:

 “لقد أعدْتِني اليوم إلى زمن ظننتُ أنه هرب ولا سبيل إلى استرجاعه، شكرا لك سيدة تونس، فعلا أنا سعيد بلقائك لأنك أخرجتني من عالم الأموات، أنا الذي ظننت أنّ العمر توقف وانتهى الأمر لكن بفضلكِ أُحِسّ أنّه مازال في العمر بقية” ص 60

فكيف نجعل من الأفول ولادة؟ كيف نخلق من النهاية بداية؟ كيف تكون النهايات بدايات لحياة جديدة؟

هنا التحام الحركة السردية وتوضيب الأحداث حسب ثنائيات عديدة من قبيل الماضي والحاضر، الشروق والغروب، الفراق واللقاء الحرمان من التعلم والعودة إليه، اختلافات مع الأبناء والعودة إلى حضن العائلة… كلها تدور في فلك الزمن وحركة الذات داخله بتجاربها وصدماتها وكل ما يؤثر في مجرى الحياة لديها.

هذا الزمن الذي اُعتُبِر في رواية “عند غروبها أشرقت” محور العملية السردية وعماد البناء الفني لهذا المنتَج الأدبي. وهو الذي حدد نشاط الشخوص في حياتهم الاجتماعية ومساهماتهم في انشطة جماعية تخرج عن المنفعة الخاصة إلى تشريك جملة من الفئات الاجتماعية في ذلك النشاط وتلك المنفعة مهما كان نوع ذلك الربح والحلم المحقق.
ولقد تأكد ذلك في ص 191: “العيب ليس في الزمان يا صديقي، العيب فينا لكننا نرفع فزاعة الزمن وتَغيّر الأحوال لنداري عجزنا وتقصيرنا”.

فالإنسان وحده من يصنع نجاحه او فشله إن لم يستسلم لعجزه.

ب – صيغة التأنيث في العنوان:

ونكشف بواطنها من خلال الإحالة القبلية باستعمال الضمير (ها) في إضافةٍ أخرى في عبارة “غروبها”. هذه الإحالة القبلية تدلّ على شأن المحال عليه ومكانته والتي تجعله معروفا وفي غنى عن ذكره أولا ثم الإحالة عليه بضميره ثانيا. (شرح)
ما قصة هذه الهاء الدالة على التأنيث؟ هل هي تلك القائلة في الفصل 10:
” سعادتي بلقائكِ لا توصف فأنا أراني فيكِ وأرى طفولتي التي حُرمت منها كما أرى شيخوختي التي سأنفض عنها غبار الوحشة والوحدة. … دمت رفيقة الطفولة وفاتحة منافذ الضوء في وجه العتمة”، عودة أخرى لصورة الإشراق والغروب بالمعنى المجازي للعبارة.

ج – التكرار ودلالته:

ربما يتساءل بعضكم لمَ هذه التفاصيل.

إنه إيمان منا بأن قراءة الرواية والنبش فيها لا بد من الوقوف عند جزئيات منها لتحصل صورة الكلّ فيها. لذلك سنقف عند ظواهر تبدو عابرة في طيات الأسطر ولكنها بليغة من حيث دلالتُها الفنية والمعرفية والاجتماعية: هي صور تتكرر واخترنا اثنتين بارزتين دالتين، وقد تركتا بصمة في تلقّي النص الروائي للكاتبة جميلة بلطي عطوي. أبدأ بـ:

تكرار صورة الجرس

  • ص11: وقد تراوحت بين جرس الباب ورنين الهاتف.
  • ص14: رن جرس
  • ص36: وهو كذلك رن هاتفه
  • ص37: آخر سطر: وهو يستعد لذلك رن جرس الباب
  • ص44: وهما على تلك الحال رن جرس الباب فقامت
  • ص53: وهي كذلك رن جرس الباب فاضطرب قلبها. قامت تفتح.
  • ص54: لم تشعر بالوقت إلا حين دق جرس الباب. أسرعت نجاة تفتحه
  • ص73: رؤى… رنت الجرس فتحت تونس وكأنها كانت تنتظر خلف الباب.
  • ص91: وهي (رؤى) على تلك الحال من الخواطر رن هاتفها. فتحت فلم تعرف الرقم.

الجرس من دلالاته تنبيه واستفاقة وموعد ودعوة للفعل والحركة والإنجاز. انبنت أحداث الرواية على هذا المبدأِ إذ يقوم الحكي في هذه الرواية على تغير الأحداث وتطوّرها إذ يعتبر التنبيه والاستفاقة في كل مرة هما الدعوة لمواصلة السرد وتتبع الأحداث، كذلك يقوم هذا الحكي على ديناميكية الأشخاص فيها حتى وإن كانت شمسهم قد غابت وهم يقيمون في دار المسنين مثلا.

الجرس وسماع رنينه هو رمز الحيوية التي تشترطها كل بداية، بداية يوم بإشراقه، وبداية الإصلاح بفعله وإنجازه. هو البدايات التي أرادتها الكاتبة تولد من جديد مع كل تنبيه.

صورة الطباشير:

  • ص 17: الطباشير الأبيض الملون.. كم اشتاق إلى أن اشمه وأن… (صورة في الجزء الأول)

الجزء الثاني من الرواية:

  • ص 11: قامت تجمع الطباشير المتناثر على الطاولة
  • ص 21: وحدها تونس كانت تضم اللوحة.. وتمسك الطباشير..
  • ص 21: أمسكت بيدها اليسرى لوحتها وباليمنى الطباشير وراحت ترسم الخطوط
  • ص 22: ها وجهك ملطخ بغبار الطباشير كما كنت تشتهين.
  • ص 23: ركز على وجهها الذي مازال ملطخا بالطباشير
  • ص 24: طفلة صغيرة كانت تحب أن تلعب بالطباشير وإن تلطخ به وجهها وثيابُها.
  • ص 24 ايضا: في ضيعة كبيرة.. هناك تحصلتُ على الطباشير لأول مرة في حياتي.

الطباشير الأبيض والملون اخذت منه قطعا… كي لا يتفطن إليها أحد.

ص25: عدت إلى الحرمان بكل أنواعه وحتى قطع الطباشير لم أتمكن من أخذها معي

ما نعرفه عن هذا المصنوع أنه أداة كتابة بدائية تسلّح بها أطفال المدارس من قبل، إذن نحن أمام إحالة صريحة على إطار تعليميّ واضح. لكن ما يمكن النبش عمّا هو غير واضح، هو ما يحمله الطباشير من دلالات لدى البطلة باعتبارها قد حرمت منه صغيرة أي أنّها حرمت من كل ما يمكن لهذه الأداة البسيطة أن تحققه للبطلة من أمان وأحلام غابت بغياب قطعة الطباشير من بين يديها بسبب التفاوت الطبقي الذي بينها وبين بقية مَن عرفتهم وهم في سنّها تقريبا (صالح لما كان طفلا).

إلى جانب دلالة البياض الذي في الطباشير وهي وضوح الطريق التي كان يمكن أن تسير فيها البطلة ولم يحدث، وإضافة إلى دلالة الجمال والانتفاع، نجد الحرمان من الكتابة بالطباشير رمز لانقطاع العلاقة الجميلة النقية نقاء البياض ذاته مع فتى صباها الذي لا يمكن أن يكون إلا في صفاء اللون الأبيض وبساطته، في بياض الورود التي يقدمها إليها هدية في ذلك الزمن الذي باتت تراه الآن بعيدا.

تكرار بعض الأفعال:
 فعل الأمر “اثبت”: ص 101 – 102:

تكرر فعل الأمر “اثبت”، وما يزوّده قوةً وفاعلية صيغةُ الأمر التي ورد بها الفعل “اثبت”. فهو لم يَرِد بصيغ الماضي أو الحاضر في شكل إخبار مثلا، بل كان في صيغة الأمر، مع دلالة فعل “ثبت” المعجمية التي تفيد القوة والصمود والقدرة على المواجهة لصعوبة مّا او مشكل مّا. فلا بدّ للإنسان أن يثبت أمام أعاصير الحياة وخطوبها. ومن هنا بنت الكاتبة الفرد الاجتماعي الذي أرادته أن يكون فاعلا لا مترددا عاجزا.

تكرار تراكيب جاهزة (متلازمات لغوية)
 من قبيل:

“أمر يُندى له الجبين ” ص 145/ “أخبار يندى لها الجبين” ص 146 وغير ذلك.

وهو ما يوحي بوضع غير مرغوب فيه ومن ثمّ عدم الرضا بما هو موجود والقلق من أجل استفحاله. هي صورة نرى الكاتبة حريصة على نقلها للقارئ لان فيها من الإحالات على أوضاع اجتماعية غير مرغوب فيها لما تسببه من اختلال بعض العلاقات والممارسات التي ترى الكاتبة أنها عماد استقامة المجتمع كله. أمثلة سردتْ الكاتبة تفاصيلها عن المقيمين في دار المسنين.

المستوى الثاني (الأسلوب):
استعمال العامية في الكتابة الروائية: نافذة على المجتمع

اتسمت نصوص الرواية بالحركية وغزارة الأحداث التي تجعل من فصولها مشاهد حيةً لجملة من الأنشطة والعلاقات الاجتماعية والتفاعلات بين أفراد توزعت مواقعهم في الرواية بتوّزع اهتمامات الأستاذة جميلة بلطي وإلمامها بجملة من المشاغل الحياتية التي يقوم عليها مجتمع مّا في عصرنا الحالي.

ومن مظاهر هذا الإلمام لجوؤها إلى رصيد معرفي يمثّل خلفية ثقافية مميزة للكاتبة، وقد وظّفت من هذه الموارد الثقافية الجانب العاميّ ولمَ لا الشعبيّ. وقد التمسنا ذلك من خلال بُعدين نراهما واضحين، وهما: الأمثال الشعبية والدخيل من المفردات مع استعمال العامية.        

أ – الأمثال الشعبية:

  • ص 57 “الفايدة في النيّة”
  • ص 124: جات الفاس في الراس”
  • ص 139: ظل راجل ولا ظل حيط” / ” لا ينحّي شاشية على راس ولّيّة ولو كانت مهرية”
  • ص 156: ” دار بلا كبير كيما سانية بلا بير” / ” كل شجرة اتجيب ثمارها”
  • ص 162: ” إلّي سبقك بليلة سبقك بحيلة”
  • ص 178 ” حمل الجماعة ريش”

هي مسألة فنية في الكتابة الروائية، ونقول فنية لأنها فعلا تمثل لونا اختارت الروائية تلوين لوحات نصها به (بهذا اللون). وتوظيف الأمثال الشعبية ليست مسألة جديدة باعتبار انتشارها في نصوص الأدب العربي المختلفة، إلا ان الجديد هو في طريقة توزيعها على كامل الرواية وفي المواقف التي تخص فعلا اختزال الفكرة وإبراز السلوك في مَثَلٍ شعبيّ يُغني عن مواصلة الحديث بين شخصيات معنية بالتعليق او النقد او التوجيه. وكأنّ المرجعية الشعبية تتسلّل من ذاكرة الكاتبة لتنير طريق الخلاص من أيّ مشكل. فتكون بذلك دعوةً لعدم التخلّي عن القديم ففيه أشعة خلاص أيضا مثل الجديد العصريّ.

وهو الأمر الذي يسوقنا إلى بُعد آخر مهمّ نلاحظه جليّا في الجزأين من الرواية ليس فقط في هذا الجزء:
 هو البعد التربوي ذو النزعة التوجيهية التعليمية، وهو ما لا نجد له داعيا للتعجب بما أنّ الروائية تتمتّع بموقع اجتماعيّ مرّت من خلاله بتلك المهنة وذلك الدور من خلال اشتغالها بالتعليم وكذلك بدورِها الأسري باعتبارها أمّا وجدة. فدافِع التوجيه وتقديم المواعظ حاضر، ثابت، من الصعب تجاوزه عند ممارسة الكتابة وإن ادعى أيُّ كاتب ذلك فبصمته اللاشعورية باقية رغمًا عنه لأنّ البواطن فيه تتكلم قبل الظواهر عند نسج نصّه الأدبي.

إلى جانب الأمثال الشعبية المحلية والعربية هناك استحضار مكثف لأقوال فصيحة مأثورة (جلال الدين الرومي / قول لجبران وآخر لسيدنا علي…)

هو أسلوب عوّدتنا به الروائية منذ الجزء الأول من الرواية. وفي هذا الجزء 2 أيضا تَواصل الأسلوب نفسه بنثر الأمثال والحِكم في شكل أبيات شعرية ومواعظ كأن نجد:

  • ص 156: عن شباب هذا الجيل وتوسّم الخير فيه: ” المنابر التي تتحدث … ثمارها.”
  • ص 176: قولة جلال الدين الرومي: من يريد القمر لا يتجنب الليل، من يرغب …”
  • ص 183: ” العيب ليس في الزمان…. احذر ان يغير فيك أمورا لا تقبل التغيير”/ ” ففقدان القيم معضلة وأيّ معضلة. ألم يقل الإمام علي رضي الله عنه …
    ص 184: قولة علي بن أبي طالب ” إذا فقدت المال لم تفقد شيئا، وإذا فقدت الصحة فقدت بعض الشيء وإذا فقدت الأخلاق فقد فقدت كل شيء” …. / قولة جبران: “لو تمكنت من رؤية قلوب البشر لرأيت في كلّ قلب قصّةَ وَجَعٍ” … / آية: ” فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم “
  • إنّ حرص الكاتبة على هذه الدعامة الفكرية والخلفية المعرفية التي أثْرت بها مواردها الإبداعية واضحة جلية وهو ما يؤكده ورود باقة منها متنوعة في فقرة واحدة (في هذه الصفحة 184)

ب) الدخيل من المفردات واستعمال العامية:

هي مسألة تخصّ أسلوب كتابة، واستعمالا لبعض المفردات المتداولة، من قبيل (…ص 44: مرحبا طاطا شرفتنا بحضورك اليوم. / ص 133: ” طاطا تونس كما تعرف لا تستطيع ان تتنقل معي” / ص 56 “ترموس القهوة” / ص: 71 “مادام من فضلك”. ص 126: مدّدها على الكنبة…/ص 98″التاكسيات” / “سُوّاق التاكسي” / رغم أنه في نفس الصفحة 98 وردت عبارة: “سيارة أجرة “.

فنحن لا ندري إن كان هذا اختيارا وموقفا أرادت منه الكاتبة ان تَنقُد ظاهرة اجتماعية تخص استعمال جملة من المصطلحات الأجنبية في عاميّتنا التونسية؟ ومن ثمّ فاختيار هذا المعجم اللغوي هو مقصود. أو هو من باب التنويع أو هو اعتباطيّ؟ أم أنها فقط أرادت من ذلك أن تجعل كتابتها أقربَ ما تكون إلى الكتابة الواقعية اللصيقة بالخطابات اليومية الممارَسة بين الأفراد. وأنه أمر قد اقتضته الدارجة التي وشّحت بها الروائية نصّها فدعت القارئ للحضور فيه أكثر وذلك من خلال لغة يعيشها يوميا.
والكتابة الناجحة هي التي تثير الاستفسارات أكثر من تلك التي تقدّم الحلول.

  • الشخصية الروائية والمعتقد:

أمامي قائمة طويلة من امثلة لظاهرة المعتقدات وأداء الفرائض. نعرض بعضها:

  • ص: 10.. 11
  • ص 12: أعوذ بالله. لا حول و…
  • ص 13: إنها تلوذ بالعروة الوثقى وهي مؤمنة بأن الله وحده القادر، الرحمان الرحيم…
  • ص18: اللهم عليك توكلنا وبك نستعين.
  • تناولت المصحف… في شغف…تقبله وهي تدعو: الاهي عجل بخلاصي … اللهم لا تمُتني قبل أن أفك الخط وأقرأ المصحف الكريم. اللّهم…
  • ص 14: أنت لها بعون الله وفضله
  • ص 14: مستقبلا قبل النوم اقرئي المعوقين
  • ص 23: شكرا لله دائما على كل نعمة … الحمد والشكر لله
  • ص 27: رحمك الله يا امي وبرد ثراء وجزاك على قدر ما ضحيت وأعطيت…
  • نفس الصفحة: رحم الله الوالدة وجعل برّها في ميزان حسناتك
  • ص 29: اترككم في حفظ الله ورعايته.
  • ص 30: لكن الله سبحانه لا يضيع خلقه ولعله يخبئ له الأجمل.
  • (إلى جانب الحوقلة والتسبيح وقول سامحك الله، حفظهم الله مثلا)
  • ص 13 – قصدت الحمام لتتوضأ و … / انهت صلاتها وعادت إلى…

المستوى الثالث:
الشخصيات وعلاقتها بالبناء الاجتماعي:

سعت الأديبة جميلة إلى أن تنسج حركة السرد نسيجا متقَنا محيِّرا. محيرا لأنه تناول المواقف والتفاعل الاجتماعي بين شخوص الرواية. فجاءت متقابلة حينا متوافقة أحيانا أخرى. ومن بين هذا التفاعل والتعايش يبرز لنا نمطان من الحضور للشخصيات. وتناولي للجنسين ليس من باب التفاضل بل هو تحليل وصفي للنص من جانب نقديّ اجتماعي.

  1. حضور الرجل:
  2. الزوج = رحل بوفاته
  3. ابنها هاجر وتزوج أجنبية / غير مستقر في حياته مع هذه الأجنبية/ يبحث عن حب جديد كان قد ضاع منه سابقا. ويفشل في ذلك.
  4. صالح = تغيب منذ الصبي، والآن يعيش حالة أرق دائم ” يركض علّه يجد مخرجا لكن الركض يوصله إلى طريق مسدود ويرى نفسه وقد أصبح فريسة لكل المهاجمين. حاول الانفلات فوقع أرضا. … لم يفهم في البداية لكنه وعى بعدها أنه كان تحت تأثير كابوس مزعج”
  5. رجال مقيمين بدار المسنين = مرضى عقليا أو جسديا.

فحضورهم مصاحب دائما بسلبية مّا وعجز مّا. إذن غياب كلّي للرجل مقابل حضور المرأة ساطع سطوع الشمس في إشراقها، وقد أشرقت.

أنا لا أتحامل مع أي طرف بل أحلل ما أجده بارزا ومدعاة لذلك.

حضور المرأة: أعرض نماذج منها:

  • تونس = حرمت وهي طفلة من الوالدين ومن الصديق الذي واساها وقت الضيق والحرمان من عطف الوالدين/ ترملت مبكرا / رحل عنها ابنها إلى الخارج، ثم لم يقِمْ معها بعد عودته / ومع ذلك فهي تقرر وتنفذ ما تقرره، يلجأ إليها الكل لاستشارة أو مساعدة، تخفي آلامها الجسدية والروحية، لم تغادر بيتها إلا لدار المسنين، تضحي لأنها أمّ.
  • نجاة = الجارة الودود، الخدوم، المصاحبة لتونس، الناصحة الوفية.
  • كاترين = الأجنبية الغريبة. لم تتمكن من التأقلم مع الأشخاص، تريد التملك. قدمت بخلفية موغلة في الأحكام الخاطئة/ تجعلها الحياة تراجع مواقفها فتتخذ قرارات حاسمة.
  • رؤى = الشابة المعطَّلة عن العمل، تعيش تجربة حب من طرف واحد. تستفيق من جديد لتصنع حياتها
  • مديرة دار المسنين = المرأة التي تتعلم من أخطائها
  • مجموع العاملات بالدار = تنوع واختلافات (مثال المشرفة سوسن ومشكلة زواجها وتعذيب زوجها لها تنتهي بأخذ قرار استقلالها عن ظلم دام سنوات)

هذا الحضور المكثف هو الذي يجعل المسائل المثارة في الرواية هي مسائل تخص وضع المرأة الصعب في مجتمع العصر الحالي وهو ما لخصته أقوال ثلاثة وردت على ألسنة شخصيات الرواية الفاعلة ونتبينها من خلال قراءة لمقاطع منها:

الفقرة التالية على لسان الاخصائية الاجتماعية ص 120:

“هذا غيض من فيض.. إنّ ما نسمعه يوميا بل ما أكتشفه بحكم مهنتي شيء يندى له الجبين. لو سردت على مسامعكم الحوادث لن تصدّقوا … ” (معاناة تعيشها نساء في عديد الوضعيات)

ص 151 في الفصل 10 بصوت تونس:
-في الحقيقة لقد أصبح الأمر مزعجا فما نسمعه من سوء معاملة للنساء أمر يندى له الجبين. وأنا في هذا العمر ما كنت أسمع بقصص كالتي تتردّد هذه الأيّام رغم أنّ الخصام بين الأزواج يعدّ أمرا عاديّا بل يرى البعض أنه ملح الطعام الذي يعطي للحياة الزّوجيّة نكهة وإن تجاوز الرّجل حدوده ومدّ يده بالتعنيف فإن الحلّ عادة ما يكون يسيرا بتدخّل من الكبار الذين يحرصون على حماية الأسرة وخاصّة إذا كان فيها أطفال… لقد كانت المرأة معزّزة مكرّمة في بيتها بل تُعدّ هي الملكة أمّا الآن فقد اختلفت الأمور وصارت المرأة عرضة للهرسلة والأذى رغم ما يناط بعهدتها من مسؤوليّات فهي العاملة وهي المربيّة وهي فوق كلّ ذلك ربّة البيت وخادمة الجميع وعوض أن تشكَر وَتلقى التبجيل يُزجّ بها في متاهات القسوة والمعاناة”.


ص 152- بصوت مديرة الدار:
“لقد استفحل الأمر وفي كلّ مرّة تصلنا أخبا ر لا يستسيغها العقل إذ باتت المرأة عرضة لكلّ أنواع المآسي من التّعنيف والتنمّر والقتل ووو… أخبار يندى لها الجبين فعلا وتنمّ عن حالة الانهيار التي باتت عليها الأخلاق والقيم أين نحن من: الأمّ مدرسة إذا أعددتها…  أعددت شعبا طيّب الأعراق أين نحن من ” رفقا بالقوارير”؟ أين نحن من الشعارات الرّنانة التي ترفعها المنظمات الحقوقيّة والجمعيّات المدنيّة؟ أين نحن من الإنسانيّة والإنسان ومن صلة الرحم والرأفة بالغير؟ “

نلاحظ تكرار:

أين نحن…؟ أين نحن…؟ أسئلة يثيرها هذا المنجز الأدبي ليلامس قضايا اجتماعية حرصت الكاتبة على بثّها في كل الأفعال والمواقف المتعلقة بشخصيات الرواية. وما هي إلا نماذج من فئات اجتماعية موجودة.


ننصت إلى رأي آخر بصوت نجاة ص 152:

“كلّ ذلك مجرّد ادّعاءات وأقنعة تختفي خلفها المآسي إنّ المرأة في هذا العصر بات حالها أردأ من حالها أيّام الجاهليّة الجهلاء ولا خلاص من كلّ هذا إلا بصحوة فعليّة ووقفة جادّة من النساء.”

بهذه النماذج النصية نرى أن المرأة قُدّمت في حالة استفاقة شملت العجوز والشابة، شملت العربية والأجنبية، قُدمت في صورة تلك التي” رفعت في وجوههم راية التحدّي مطالبة بحقها في الحياة الكريمة” ص 116. وما تلك الاستفاقة إلا إشراقةُ صبح جديد لحياة جديدة.

ظاهرة لغوية أخرى تبرز علاقة الشخصية بالبناء الاجتماعي وهي:

  • رمزية الجمع بين الاسمين العلَمين:

نتبينها من خلال ثلاثة نماذج وقد اخترت منها الفاعلة في الرواية:
تونس وصالح:
هما الشخصيتان اللتان تحتضنان كامل بقية الشخوص. فهما التاريخ بصوره الجميلة حينا والمتوترة أحيانا أخرى، وهما القادمان من الماضي ليبنيا حاضرا يفتقد إلى الكثير من الاستقرار والهناء والسعادة. فهما الوطن الذي يجمع أفرادا في احتدام متواصل ومشاكل اجتماعية ونفسية وعقلية، وتَمثّل دورُهما في دار المسنين دور الإصلاح والرعاية.
فهل اجتماع الصلاح (رمزية اسم صالح) مع تونس (رمزية اسم البلاد) يعيد لها تلك السعادة والاستقرار؟ خاصة أن تونس ستجتمع بمن هو صالح؟ بُعدٌ رمزيّ لا يمكن أن تكون الروائية جميلة بلطي عطوي قد استعملت الاسمين اعتباطا أو دون سابق تخطيط وإلا لكانا باختيار لاسمين آخرين.

ص 131: إننا أسرة تبذل كل جهدها من أجل الخير وعمل الخير، من اجل اولئك المساكين الذين هم في أشدّ الحاجة إلى من يحضنهم ويخفف أوجاعهم… يا لك من صالح يا صالح.”
 فعسى ان تدرك شخصيات الرواية الحقيقة يوما وتجيب على سؤال تلك العجوز جارة المشرفة سوسن حين قالت: ” تونس؟ تتحدثين عن تونس. ماذا بقي في تونس؟ هي مثلك ومثلي نُكمل أعمارنا ولا ندري إلى أين المسير”. قضية أخرى تثيرها الرواية.

نجد إشارة لضرورة الخروج من تلك الحيرة من خلال اسمين آخرين هما:

اسم الجارة “نجاة” و”تونس”:
 وهي المرافقة الدائمة لتونس والناصحة لها وكأن تونس تبحث عن النجاة مما هي فيه.

الجمع بين تونس / صالح / نجاة:

تُلخص هذا الجمعَ بين الثلاثة، صورةٌ وردت منذ بداية السرد وفي الصفحة 15 عند سرد الحلم الذي يراود البطلة:
“أرى أبنائي الثلاثة يمدون أيديهم لي مستغيثين: نحن هنا يا أمّي، سيبلعنا الطوفان إن لم تسارعي بإنقاذنا، نحن هنا يا أمّي، إننا نختنق.. أنقذينا، أنقذينا.. ويظلّ الصّراخ يصمّ أذنيّ وأنا أتذبذب بين صورتين أحيانا أراني في هيئتي الطفوليّة وأحيانا أراني في عمر الأمومة وفي الحالتين تتكاثف حولي تلك الأيدي ساعية إلى الإطاحة بي ثمّ يعلو الصّياح وأرى في قعر الهوّة جموعا غفيرة، شبابا وشيوخا، نساء ورجالا يتقدّمهم سمير هاتفا: -” هذا أوان الحزم فاشتدّي زيم “. لن ندعها لكم، لن تسقطوها في قعر الهوّة المظلمة. إنّها أمّي بل أمّنا ولن ندعْها لكم.

ترى ماذا يعني هذا الكابوس يا نجاة؟ أنجديني يا أختي.”
إنّ المسألة تتعلق إذن بدور يتجاوز المستوى الشخصي الذاتي إلى مستوى أوسع. ورد في لفظ “أبنائي” ولكنه قد يخرج عن الانتساب البيولوجي إلى الجماعة، إلى الانتماء الوطني. إلى الأرض والمصير. ولا ننسى أن المتكلم هنا هي “تونس” بكل ما تحمله من رموز ودلالات. وبذلك ننتقل إلى مستوى آخر هو ما يخصّ مسألة الوعي الذي بنت عليه الكاتبةُ الشخصيةَ الفرد والجماعة.

المسألة الرابعة:
الخطاب الروائي وصورة المجتمع المعاصر: (القضايا والإشكالات الاجتماعية)

  • تضمنت الرواية لوحة جامعة لعديد الشرائح الاجتماعية بكل ما يعيشها أفرادها من تجاذبات اجتماعية وسياسيو واقتصادية ونفسية وغيرها. ولذلك جاءت الشخصيات هنا متنوعة، مختلفة تجتمع وتتباين. وما يجمعهم هي شخصية تونس فهي على علاقة بجميعهم تقريبا، كيف لا وهي توني برمزيتها. فتناولت عديد المسائل الاجتماعية.
  • مسألة رعاية الأبناء للوالدين (علاقة تونس بابنها والآمال التي كانت تعلقها عليه)
  • دُور المسنين باعتبارها أصبحت حلا لبعض الفئات الاجتماعية.
  • الأمراض النفسية لدى بعض الموظفين (المشرفة سوسن) نتيجة سوء معاملة الزوج (يعاني مشاكل الإدمان) فأثر في حالة سوسن وعقدها.
  • بطالة الشباب ذي الشهائد العليا وحديثي التخرج (شخصية رؤى) ص171:”كنت معطلة عن العمل عشرية سوداء كاملة”= ربط بواقع عاشه المجتمع فترة ما ومازال يعيشه.
  • حرمان الأطفال من التمدرس في الأرياف (تونس لم تدرس بل عملت طفلة في البيوت)
  • معاملة زوجة الاب لأبناء زوجها
  • الفتيات القصر والعمل في البيوت
  • الطبقية والعلاقات بين أبناء الفئتين
  • مسألة الزواج بأجنبية وما يتولد عنها من إشكالات في العلاقات والواجبات ومن شرعية الحضانة للأبناء)
  • الإعلام والبرامج التلفزية (مسلسل شوفلي حلّ يشاهده ابناء سمير باستمرار (الحوار ص 61): قول ناقد: ” عليك أن تبحث عن غيره إن كنت فعلا تبحث عن الاستفادة” قولة تنقل رأيا صريحا يعني أنه عمل تلفزيّ غير مفيد.
  • التبرع بالأعضاء (بين سمير وصديقه صادق رغم اختلافه معه).
  • الوشاية بمن هو جاد وصادق في العمل إلى أن يُطرد (ص 162)
  • قضية “البراكاجات” ص 182 وخطورة الوقوف ضدهم (يحملون السلاح الأبيض) / غياب السلطة والردع.
  • قضية الإنجاب والعقم، وظلم المرأة دائما عندما يكون السبب منها هي وليس الزوج (صديق الابن صاحب المعمل صادق وزوجته)
  • صورة المرأة العربية في عيون الغرب:
    ص 132 ” طبعا أنا الطباخة والخادمة والجارية وعليّ ان أجري في حظوظ سيدي. عليّ أن أريحه وأوفّر له كل ما يسعده اما انا فإلى الجحيم. لقد اخطأت العنوان فأنا لست من فصيلة إناثكم أنا كاترين سليلة الحق والمواساة والديمقراطية بل انا سيدة البيت وعليك أن تكون في خدمتي حتى أرضى عنك. يبدو ان عودتك هنا انستك الأدب ولياقة التعامل. من اليوم انس …”
  • ثورة ضدّ صورة المرأة في البلدان العربية، لأنّ المتكلمة هنا هي كاترين. وقد برهنت لها تونس أنها على خطأ.

خاتمة:

ارتأينا أن نربط ختام قولنا بالإهداء الذي تصدّر الرواية.

وهذا نص الإهداء: ” إلى ذوي الأحلام الواعدة، يبذرون الأمل في تجاويف الوجع فيزهر الفرح أكماما على ضفاف الجهد.

إليها.. الأمّ.. حمّالة الحياة. ولّادة الفجر والبذر نسغ ارتجاف في طيّ المسيرة.”

نتأمل كلماتِه المفاتيح:

  • الأحلام الواعدة: إذن ليست هي الأحلام العادية أثناء النوم وما فيه من
  • سكون وخمول. بل هي واعدة(إشراق)
  • بذر الأمل: فعل وجهد (حركة)
  • يزهر الفرح: نبت وحياة واخضرار وجمال وشذى (إشراق)
  • الأمّ: هي حمالة الحياة، ولادة الفجر والبذر، هي نسغ. هي الحياة هي إنشاء كلِّ شيء من جديد. (إشراق)
  • المسيرة: الحركة في زمن مثقل بالأوجاع والخبرات. (تجدد وتغير في الحالة والمآل)

فنَخْلص لنقول إنّ كلّ تلك الإشراقة والحياة تولد من “نسغ” رحم ذلك “الارتجاف” الذي “في طيّ النسيان”. من ذلك الأفول والغياب والغروب تشرق الحياة. “عند غروبها أشرقت”.

الباحثة فاطمة البوبكري

  • باحثة وكاتبة تونسية
    مدرّسة لغة عربية، حاصلة على ماجستير في اللغة والأدب والحضارة العربية، وتُعدّ أطروحة دكتوراه في اللسانيات وتحليل الخطاب. لها أعمال بحثية ما تزال قيد الإعداد، وأسهمت بدراسات في كتب أكاديمية جماعية، وشاركت في ندوات علمية داخل تونس وخارجها. نشرت مقالات في مجلات علمية تونسية ودولية، تندرج جميعها ضمن البحث الجامعي. كما قامت بتقديم عدد من الأعمال الشعرية والنثرية لإصدارات أدباء تونسيين، مساهمةً في دعم الحركة الأدبية والنقدية.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا

سجّل اسمك وإبداعك، وكن ضيفًا في محافلنا القادمة

ندعو الأدباء والشعراء وسائر المبدعين إلى أن يُضيئوا حضورهم بيننا بتسجيل أسمائهم وتعمير الاستمارة التالية، ثم النقر على زر «أرسل» ليكون اسمكم ضمن قائمة الدعوات إلى تظاهراتنا الثقافية القادمة — حيث يلتقي الإبداعُ بنبض الحياة، وتُصاغ الكلمةُ في فضاءٍ يليق بكم وبأحلامكم.