تقديم النص الشعري:
هذه القصيدة تنسج خطابًا أخلاقيًا يزدان بالحكمة وتجربة الحياة، وهي تذكّر القارئ بأهمية الصديق الصادق وخطورة مصاحبة ذوي المكر والخيانة. الشاعر يبني نصه على صور متتابعة تستعير من الطبيعة (البستان، الدرّ، التاج) ما يجعل المعاني الأخلاقية متجسدة وملموسة.
في البدء، يدعو إلى اختيار الصديق من صفاء القلوب، مؤكدًا أن الخيانة تنقلب على صاحبها مهما طال الزمان. ثم يرسم ثنائية واضحة بين الصدق والغدر: فالصادق يبقى ذكره متّقدًا كالنار التي لا تخبو، بينما المتلوّن لا يعيش له أثر ولا يثبت له نسب. نلمح هنا احتفاءً بالقيم التي تمنح الإنسان معنى وخلودًا في ذاكرة الناس.
تتابع الأبيات بعدها تصوير الخائن: يلقاك بالبِشر والحديث الحلو، لكنه يطعن في الظهر، فيصبح كمن يقدّم العسل بلسانه وفي قلبه السمّ. هذه المفارقة القاسية تجسّد مأساة الزيف الاجتماعي. ويأتي الحديث عن العهد كـ”تاج” إذا فقد جواهره ضاع بريقه، وعن الصدق كـ”درّ” إذا دنّسته الخيانة فقد قيمته، وعن الودّ كـ”بستان” إذا سرى فيه الغدر ذاب زهره وعشبه.
ويختم النص برسالة وصية: لا تمنح ثقتك إلا لمن صفا قلبه، فالله وحده يحفظ الوفيّ من مكر الخائنين. هكذا تكتمل البنية التعليمية للنص، فيرتقي من تجربة شخصية إلى حكمة عامة تصلح دليلاً أخلاقيًا في مسيرة الإنسان… [نيابوليس الثقافية]
نص القصيدة:
اختَرْ صَديقَكَ مِن صَفْوِ القُلوبِ، فمَن
خانَ الصَّدِيقَ، عَليهِ الدَّهرُ يَنقَلِبُ
فَالنّاسُ ألوَانٌ، فِيهمُ صِدقٌ مَعدَنُهُم
وفِيهمُ المَكرُ يُخفَى وهُو مُرتَقبُ
مَن كانَ صَادِقًا، بَقَى ذِكرُهُ مُتَّقِدًا
ومَن تَلَوَّنَ، لا عَيشٌ ولا نَسَبُ
يَلقاكَ بالبِشرِ، يَحكِي أنّهُ ثِقَةٌ
والغَدرُ يَسرِي بِقَلبٍ سُمُّهُ عَجَبُ
يُعطِيكَ مِن طَرفِ اللِّسانِ حَلاوَةً
ويَطعَنُ الظَّهرَ إنْ خانَتْهُ الرُّتَبُ
العَهدُ تَاجٌ، إذَا ضاعَت جَواهِرُهُ
فلا عَادَ يُصلِحُهُ وَعْدٌ ولا ذَهَبُ
والصِّدقُ دُرٌّ، إذَا غَشَّتْهُ خَائِنَةٌ
تَبَدَّدَ النُّورُ، فلا يُجدِي بِهِ الكَذِبُ
والودُّ بُستَانُ أروَاحٍ إذا نَبَتَتْ
فِيهِ الخِيَانةُ ذَابَ الزَّهرُ والعَشَبُ
والوفْـيُ يَبقَى، وإن جَارَ الزمَانُ بهِ
فالنّاسُ تشهَدُ أنَّ الحُرَّ مَكسَبُ
فاخترْ رِفاقَكَ مِن صَفوِ القلوبِ، ولا
تُعطِي الثِّقةَ لِمَن في صَدرِهِ رَيبُ
واعلمْ بأنَّكَ مَا دُمتَ الوَفِيُّ لهُم
فاللَّهُ يَحفَظُ مَن بالمَكرِ يَحتَجِبُ