عبرتني نوارس موكادور،
ارتمت على وجعي،
مدّت جناحيها فوق كتفي،
وقالت…
هنا، على هذه العتبة،
وُلدتِ كالموجة الأولى،
وهنا، فاض الحنين من خاصرة المدينة
هنا كتبتِ القصيدة
سقطت كدمعة على فرو قطة
تموء بلا صوت،
تحدق في الوجوه
كأنها تحفظ أسماءهم
من ظلال ضاعت في الضوء
علمتني الأزقة
أن الفقر لا يخجل من الشمس،
وأن النساء
يحرسن المعنى
بأصابع مغمسة بالحنّاء،
على كتف الزمن
جدران تحفظ زفرات الجدّات
وهنّ يطفئن الفوانيس
في زنقة العطّارين،
ويقرأن الفاتحة
بلحن من ملح الدعاء
على عتبة الميناء.
هل سمعتم الهجهوج مثلي؟
أنا سمعته
ينتحب كخاصرة مكسورة
في رقصة تئنّ
تحت وقع خطى بحار
نسي المرفأ في عيني…
ورحل
رأيت عناقكم المؤجل
يحاصره ورد الغياب،
وأصابعي
تحفر في الرمل
رغبة تتشبث بالبقاء،
أنا التي سرق البحر ظلها،
ثم أعاده خيط بحار
على جناح نورس
يعبرني كل مساء
أنا العائدة من موج وحنين،
قصيدتي وشم
على جسد المدينة
تنزف منذ رعشة الفتح الأول،
وموكادور…
لا تزال تناديني
بصوت يشبه الدعاء،
وتربّت على ظهري
كأمّ لا تمل الانتظار…
في موكادور
بكيت،
وأحببت، وكتبت القصيدة..
ونسيت أحلام الطفولة…
وعدت هذا المساء،
أبحث عن ظلي في عيون الغرباء،
في رائحة الخبز
حين يبتل الفجر بملح البحر.
عانقت الريح
وبحثت عن وجهي
في زحمة الغياب،
تعلمت أن لا شيء يعود،
وأن الذاكرة
مرآة مكسورة
نرى فيها ملامحنا
ثم تختفي…
جلست على رصيف القصبة،
أعد النوارس،
وأرتق قلبي
بإبرة الضوء المتسرب
من شقوق الجدران،
تراءى لي
طيف حبيب غائب،
تدلى من عتبة بيت قديم
وصوتي
عالق في زجاج نافذة
لم تغلق يوما،
في وجه الحنين
أنا ابنة الموج
والصدى،
والخطى التي لا تنسى الرمل…
أنا التي كتبت الحزن،
بمداد العاشقين
وتركت قلبي،
يصفر
عند باب الميناء…
على إيقاع _كناوة
لترقص ملامح الزوّار
في مرايا الريح،
فتهمس النوافذ….
لا أحد يشبه المدينة…
الجميع يمرّون كأخطاء مؤجلة
الزمن ممدّد على جسد الشوارع،
يتنفس ببطء من رئة الغياب
والذاكرة تتلو آيات الرحيل
كطفل أضاع الطريق،
يحمل رائحة الأمس في جيبه،
ويطرق باب القلب…
ثم ينتظر.
في موكادور
ينام الجرح على طرف الحكاية،
يحتفظ بصورة امرأة
إذا ضحكت،
انكمش الحزن في الزوايا،
وإذا بكت،
ارتجف هديل النوارس
في حضن الموج….
