الصفحة الرئيسية قصيدة النثر زاهر الأسعد-فلسطين: يقدّم نصّا بعنوان “غيمة تبحث عن وطن”

زاهر الأسعد-فلسطين: يقدّم نصّا بعنوان “غيمة تبحث عن وطن”

270 مشاهدات 1 دقائق اقرأ

المطرُ ذاكرةٌ معلَّقةٌ في السماء
يغمرُ الطرقاتَ بالوحل
ويكتبُ على الأرضِ تاريخًا لا يقرؤه أحد

أصواتُ صبيةٍ كأسئلةٍ مرتجفة
وأمهاتٌ يفتحْنَ صدورهنَّ للريح
ليغسلنَ الحزنَ بماءٍ لا يعرف النهاية

خيمةٌ مثقوبة
تحملُ ذاكرةَ المنفى
ووطنًا مؤجَّلًا لم يولد بعد

المطرُ يسقطُ كحكمٍ أبدي
يحوِّلُ الطرقاتَ إلى أنهارٍ موحلة
والخيمةَ إلى قاربٍ مثقوب
يبحرُ في التيه
ويعودُ محمَّلًا بالغياب

دمعٌ يعلنُ أن الحياةَ أضعفُ من الأرض
وجرحٌ مفتوحٌ في ذاكرة المطر

مدينةٌ تُصلّي تحت الركام
وتعلّمُ الغيومَ أن البكاءَ شكلٌ من أشكال الحياة

أصواتُ الأطفال أجراسٌ مكسورة
دموعُهم ماءٌ يكتبُ تاريخًا لا يقرؤه أحد
وخطواتُهم صرخةٌ أبديّة
تقول إن الغيابَ وطنٌ مؤجَّل
وأن الحضورَ ظلٌّ ناقص

مدينةٌ تكشفُ قبحَ الأزمنة
وتعيدُ تعريفَ المطر
فلا يعود ماءً فقط
بل سؤالًا عن معنى الحياة
ووصيّةً تُعلِّمُ الأرضَ أن الحريةَ ليست وعدًا
بل دمعةً تُقاومُ حتى آخر الغيوم

النسوةُ خبأنَ وجوهَهنَّ في الغيوم
والشيخُ رفعَ يدهُ المرتجفة
والعجائزُ حملنَ بقايا البيوتِ على أكتافِهنَّ
وذاكرةَ الأرض

الزمنُ يذوبُ في الوحل
الأحلامُ والأوطانُ تذوبُ في الغياب والمطر
لكنَّ الأيدي تُرفعُ إلى السماء
كأنها تطلبُ من الغيومِ بدايةً أخرى

العالمُ مرآةٌ غائمة
تعكسُ فراغًا بلا ملامح
وتبيعُ أوهامًا في أسواقٍ من صمت

الوحلُ يذوبُ بنا
والبردُ يكتبُ تاريخًا لا يقرؤه أحد
لكنَّه يظلُّ شاهدًا على قبح الأزمنة

الغيابُ وطنٌ مؤجَّل
والحضورُ ظلٌّ ناقص
إنسانٌ يفتِّشُ عن وطنٍ
في قلبِ غيمةٍ لا تنتهي

وأنا ابنُ الغياب
أكتبُ المطرَ كي لا يذوبَ اسمي
وأترك السؤال

الشاعر زاهر الأسعد

  • شاعر وكاتب فلسطيني
    وُلد في درعا عام 1983، لاجئٌ فلسطيني يقيم في سوريا، ويحمل في قلبه وطنًا غائبًا لا يفارقه، تمامًا كما لا يفارق الماء سيرة النهر. يعيش في المزيريب حيث تتداخل الذاكرة مع تفاصيل الحياة اليومية، فيكبر الحنين معه، ويكبر المعنى. يعمل في الشركة السورية للاتصالات، يمدّ الخيوط بين الناس، لكنه يجد اتصاله الأعمق في الشعر؛ فهناك يتنفس، وهناك يبحث عن المعنى الذي لا تمنحه الخرائط ولا تمنحه المهن. في الكتابة يفتح أبوابًا للضوء، ويصنع مسارًا خاصًا بين الصرامة العملية وحرية القصيدة. هاوٍ للشعر، محب للنصوص الوجدانية والفلسفية، يقلب الكلمات كما لو كانت أطيافًا تتشكل بين يديه، ويجعل من يومه طقسًا روحيًا يوازن فيه بين واقعٍ يفرض قوانينه، وخيالٍ يشرّع نوافذه بلا حدود. يحمل شغفًا لا ينطفئ، ويكتب ليظل حاضرًا في وجه الغياب، وليبقى الضوءُ ممكنًا مهما طال الليل.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا

سجّل اسمك وإبداعك، وكن ضيفًا في محافلنا القادمة

ندعو الأدباء والشعراء وسائر المبدعين إلى أن يُضيئوا حضورهم بيننا بتسجيل أسمائهم وتعمير الاستمارة التالية، ثم النقر على زر «أرسل» ليكون اسمكم ضمن قائمة الدعوات إلى تظاهراتنا الثقافية القادمة — حيث يلتقي الإبداعُ بنبض الحياة، وتُصاغ الكلمةُ في فضاءٍ يليق بكم وبأحلامكم.