تونس، 11 أوت 2025 – ببالغ الحزن والأسى، أعلنت صباح اليوم وزارة الشؤون الثقافية التونسية وفاة الفنان والمخرج والكاتب الفاضل الجزيري، عن عمر ناهز 77 عامًا، بعد صراع مرير مع المرض، وتدهور حالته الصحيّة عقب خضوعه مؤخرًا لعملية جراحية في القلب
وُلد الجزيري عام 1948 في العاصمة تونس في بيئة ثقافية ثرية. كان والده بائع كتب معروفًا في باب سويقة، ومديرًا لمقهى “رمسيس” ونزل “الزيتونة”، حيث كان يلتقي الأدباء والفنانون، مساهماً في صقل وعيه الثقافي منذ الصغر
تلقّى تعليمه في المدرسة الصادقية، حيث بدأ مشواره الفني ضمن الفرقة الدرامية المدرسية، مكوّنًا مع زملاء بارزين أصبحوا لاحقاً من رموز الثقافة التونسية
لم يكن الجزيري مجرد فنان، بل كان ناشطًا سياسيًا طلابيًا، شارك في احتجاجات 1968 وإضرابات كلية الآداب. بعد ذلك، سافر إلى لندن لتلقي تكوين فني متقدم، ثم عاد إلى تونس ليبدأ رحلة تأسيسية في المشهد المسرحي الوطني
في عام 1972، شارك في تأسيس مسرح الجنوب في قفصة، ثم أسهم عام 1976 في إنشاء مسرح تونس الجديد بالتعاون مع رفيق دربه الفنان الفاضل الجعايبي. قدما معاً أعمالاً مسرحية خالدة مثل: “العرس”، “غسّالة النوادر”، و”عرب والكريطة”، لترسّخ مكانتهما في الثقافة التونسية
امتدت بصماته إلى السينما والمسرح الموسيقي. مثلًا، شارك كممثل في أفلام مهمة مثل: “عبور” (ترافيرسي) لمحمود بن محمود، و“سجنان” لعبد اللطيف بن عمار، و“الميسيا” للمخرج الإيطالي روبرتو روسيليني. كما قدّم إخراجياً فيلمه البارز “ثلاثون” (2007)
. في مجال المسرح الموسيقي، برز من خلال عروض مثل “النوبة” (1991)، “الحضرة” (1992 و2010)، و“الحضرة 2” التي قُدمت في نسخ متجددة على مرّ السنين
كان آخر ظهور فني للجزيري من خلال العرض المسرحي الموسيقي “جرانتي العزيزة”، الذي قُدّم مساء الأحد 10 أغسطس 2025، ضمن فعاليات الدورة 59 من مهرجان الحمامات الدولي؛ تجسيدًا لوفائه للفن حتى رمق حياته الأخير
بهذا الرحيل، تفقد تونس والعالم العربي أحد أعمدة المسرح والسينما، وواحدًا من رموز الإبداع والتجديد في الساحة الثقافية. مسيرة تجاوزت خمسة عقود من العطاء، تركت بصمة لا تُمحى في ذاكرة الفن التونسي والعربي.
أحرّ التعازي لعائلة الفقيد، وللأسرة الثقافية التونسية والعربية، سائلين الله أن يتغمّده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم الجميع جميل الصبر والسلوان.