1636 – 1637
كانت هناك قبيلة من السكان الأصليين لأمريكا تُدعى “البيكوتس”، وهي من أقوى قبائل “نيو إنغلاند” آنذاك.
كانوا يتحكمون في التجارة، وتهابهم بقية القبائل..
وقد سئم كثيرون من هذه الهيمنة، وعلى رأسهم قبيلة “الموهيغنز”، فوقفوا إلى جانب الإنجليز للتخلّص من “البيكوتس” وبسط نفوذهم الميداني والتجاري وهو ما كان يتماشى تمامًا مع خطط الإنجليز…
بعد مقتل عدد من التجار الإنجليز على يد أفراد من “البيكوتس”، اتخذت بريطانيا ذلك ذريعة لإعلان الحرب عليهم،.
وبالتحالف مع القبائل المعادية للبيكوتس مثل “الناراغانسيتس” و”الموهيغنز” نجح الإنجليز في سنة 1637 في مهاجمتهم في ميستيك (بلدة تقع اليوم في جنوب شرق ولاية كونكتيكت)، حيث أحرقوا القبيلة عن بكرة أبيها، وقتلوا المئات من أفرادها، بما في ذلك النساء والأطفال…
اضطر قائد البيكوتس “ساساكوس” إلى الانسحاب مع من تبقّى من رجاله – وقيل أيضًا ابنته – بعد أن خسر هذه المعركة غير المتكافئة، حيث عجزت الأسلحة اليدوية البسيطة والسّهام عن مجابهة نيران البنادق الإنجليزية المسعورة…
غادر “ساساكوس”، كما ذكرنا، غربًا (في منطقة ولاية نيويورك حاليًا، قرب نهر الموهاوك) مع من نجا من قومه، طالبًا اللّجوء لدى ” الموهاوك” إحدى القبائل المسيطرة على تلك المنطقة والتي للأسف كانت إجابتها الغدر والخيانة، إذ هُوجِم”ساساكوس” ليلًا أثناء نومه وطُعن حتى الموت.
ويُقال إنهم لم يكتفوا بذلك، بل قطعوا يديه وسلخوا فروة رأسه، وأهدوها إلى الإنجليز عربون صداقة ورمزًا لنهاية البيكوتس إلى الأبد..
في سنة 1637 في نهاية هذه الحرب، أُبيدت قبيلة “البيكوتس” بالكامل. أما من نجا من القتل، فقد أُلقي القبض عليه وأُجبر على العيش في قبائل أخرى، فطُمست هويتهم تمامًا، أو سُبوا وبِيعوا كعبيد كما حظر الإنجليز آنذاك ذكر اسم البيكوتس.
ومن أكثر الأمور إيلامًا في هذه الحرب، ليس فقط هزيمة “البيكوتس” على يد المستعمر البريطاني، بل خيانة بني جلدتهم لهم، حيث تغلّبت المصالح والأنانية على الإنسانية، وتخلّى الخونة عن الكرامة والشرف تلك الخيانة ساعدت المستعمر البريطاني على بسط نفوذه في معظم أرجاء أمريكا لاحقًا…
ولم يدرك “الموهيغنز” ولا “الناراغانسيت” ولا “الموهاوك” أن مصيرهم لم يكن مختلفًا عن مصير” البيكوتس”، وأنّ المستعمر استعملهم أداة للسيطرة، لا بُغية التحالف أو المودّة.
لم يفهموا أن اليد التي صافحوها اليوم، ستصفعهم غدًا بلا رحمة…
واليوم… يعيد التاريخ نفسه في غزة.
أطفال يموتون جوعًا، تُخذل غزة وتُهان، وفي المقابل، يُستقبل مجرمو الحرب بالطبول،
ويغضّ “أشقاء” عرب مسلمون الطرف من أجل المال والمصالح.
كأنّ ما حدث بالأمس في غابات “نيو إنغلاند” يحدث اليوم تحت أنقاض غزة.
الخيانة هي نفسها، والخذلان هو ذاته، لكنّ الضحايا هذه المرة ليسوا قبيلة “بيكوتس”، بل شعب أعزل يُذبح ببطء، والعالم يراقب ٍبصمتٍ مخز..
غزة اليوم لا تختلف كثيرًا عن “ميستيك” بالأمس، في المكانين، ارتفعت النار، وسُفك الدم، وسقط الشهداء،و في المكانين… ساد الصمت،وتواطأ القريب قبل الغريب.