هذا النص ينهض على لغةٍ مشبعةٍ بالأسى والتمرد، حيث يسير الوجع في الأزقة عاري القدمين، شاهداً على انكسار الأرواح وتبدّد الملامح في وطنٍ يبيع أبناءه في مزادات الغفلة. تتكثّف الصور الشعرية بين احتراق المرايا وكذبها، وبين خطوات المشّاء الذي لا يملك سوى نصف حلم ونصف حذاء، ومع ذلك يضحك للقدر لأنه لم يترك له ما يخسره. إنّه نص يستحضر قسوة الحياة وفجائعها، لكنه في الآن نفسه يطلق نداءً للمقاومة، أن نكون كسراً يفضح، وهامشاً يرفض الصمت، وإصراراً لا يساوم على المعنى ولا على الوجود.
[نيابوليس الثقافية]
النص الشعري:
كل هذا الوجع الذي يسير حافيا في الشوارع
لا يحتاج إلى من يترجمه…
إنه يعرفنا ويحفظ أسماءنا جميعا
مع أول تنهيدة في كل صباح
إلى آخر شهقة تشهد على احتراقنا عند المساء…
كلنا نحترق في مرايا لا تعكس إلا الخوف …
كلنا نرتدي وجوها مستعارة
نصافح الحياة بيد من رماد
ونقول… نحن بخير
فيما الحقيقة تمضغنا بأسنان حادة
وتبصقنا في قارعة أوقات يصعب علينا تجاوزها …
الحياة لن تعطيك فرصة ثانية
تعبرك كما يعبر الباص المزدحم وجع العابرين
لا ينتظر من سقط
ولا يلتفت لمن نسي نفسه في محطات التعب…
كلنا ذاك الرجل المشّاء…
بنصف حذاء
وبملامح ملغاة من دفتر الوطن
لا يزال يربي الحلم كغيمة شاردة
ويطارد ظله في الأزقة
يضحك للقدر
لأنه لم يترك له شيئا ليخسر…
من يعيد لنا الطريق؟
نباع في مزادات الغفلة
ولا أحد يزايد على ملامحنا المشطوبة في الوطن …
كن الهامش الذي يرفض أن يموت بصمت
كن الكسر الذي يفضح المرايا…
حين تكذب…
كن مستعدا لكل شيء
لكن لا تسلم نفسك لكل شيء …