الصفحة الرئيسية مقال رأي تأييد زهير دبعي تقول “مسكينة اليابان”

تأييد زهير دبعي تقول “مسكينة اليابان”

149 مشاهدات 2 دقائق اقرأ

لم يكن تاريخ 14 آب 1945 يوما عاديا من أيام الحرب بالنسبة لليابان بل وللعالم كله، فقد أعلن الإمبراطور الياباني هيروهيتو في هذا اليوم استسلام اليابان عبر الإذاعة بصوته الذي لم يسمعه الشعب قط قبل هذا اليوم لاعتقادهم بألوهية الإمبراطور. أيام فقط بعد جريمة القنبلة النووية ضد مدينتي ناكازاكي وهيروشيما، كانت كافية لتأخذ الإمبراطورية اليابانية قرارا بالاستسلام غير المشروط لمحور الحلفاء بقيادة عدوها اللدود الولايات المتحدة الأمريكية. مسكينة اليابان، ففيها إمبراطور آثر سلامة وبقاء شعبه على سلامته الشخصية، بينما ننعم نحن في فلسطين ببعض أهلنا المنتمين لأيديولوجيا لا تعير سلامة الشعب ولا بقاءه على أرضه أي أهمية، فهي تؤمن فقط بالعقيدة التي تعتبر أنها ممثلها الوحيد على هذه الأرض. ولطالما اعتبرت هذه الأيديولوجيا ” الوطن” مشكلة تتحطم عليها آمالها في بناء الدولة المنشودة القائمة على أساس أيديولوجيا التنظيم. يقول حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر:” يجب أن نصل إلى أستاذية العالم، والوطن وسيلة وليس غاية”. وقد ظهر هذا المفهوم ” الميكافيللي” للوطن جليا في تاريخ هذه الأيديولوجيا فمن أفغانستان إلى سوريا إلى فلسطين، معتبرة الشعوب ليس أكثر من قربان على مذبحها العقائدي، فلا عجب إذن أن تخرج تصريحات لقياديي هذا التنظيم تعتبر إبادة الشعب الفلسطيني مجرد خسائر تكتيكية وأوراق ضغط، وأن استشهاد الشعب والنساء والأطفال ليس تضحيات، فالتضحيات فقط هي استشهاد القادة والمقاتلين المنتمين له. هاجمت الجماعات الإسلامية عبر التاريخ مفهوم الوطن فعلى سبيل المثال في تسعينيات القرن الماضي شنت هجوما على أغنية بعنوان ” الحلم العربي” وأصدرت بدلا عنها مستخدمة نفس اللحن أغنية ” الحلم الإسلامي”، داعية الناس للاستماع للحلم الإسلامي ومقاطعة هذه “الهرطقة” فلا شيء اسمه ” وطن عربي” ما يجمع الناس هو العقيدة فقط، لذا فالغناء والانتماء لها وحدها. مسكينة اليابان، فقد اعتبرت أن الاستسلام لوقف إبادة شعبها مكسبا ونصرا، فطالما الشعب باق ستبقى اليابان وستنهض من جديد. بينما في فلسطين فكرة تختزل النصر في بقائها واستمرار نهجها، لأنها تعتبر الوطن حيث “الفكرة”، والفكرة يمكن أن تكون في أي مكان، وبناء عليه لا غرابة في أن نجد قائدا مرموقا تشهد له الفضائيات بكثرة تصريحاته يعبر عن هذه الأيديولوجيا الرافضة لمفهوم الوطن يرد على تهديدات رئيس وزراء الاحتلال بتهجير أهالي قطاع غزة إلى صحراء سيناء، بالتقليل من خطورة كارثة تهجير جديد للشعب الفلسطيني بقوله”: حتى إن تم تهجير أهل غزة إلى سيناء، سنجعل سيناء قاعدة مقاومة أكثر رسوخا”. مسكينة اليابان، فقد نجحت في جعل القنبلة النووية حدثا مؤسَسا راسخا في ذاكرة البشرية كلها، بينما لدى الشعب الفلسطيني حركة طبَعت الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا وجعلتها خبرا يوميا عاديا مثل أخبار الطقس. استسلمت اليابان حفاظا على الوطن والشعب والمقدرات، نفضت عنها غبار الهزيمة ونهضت لتبني دولة متماسكة مزدهرة قوية متحضرة ذات هيبة فرضت نفسها على العالم كله. بينما في فلسطين يستمر اجترار الخسائر وتكرار الأخطاء، والرهان على أوراق خاسرة على رأسها ورقة الرهائن الذين يتناقص عددهم كل يوم. وهم النصر أخطر من الهزيمة، لا يزيَف الواقع وحسب، بل يقف سدا أمام أي جهد عقلاني للخروج من دائرة الهزيمة، يعمَق الأزمة، يخدَر الجماهير، يجعلهم يهتفون للنصر وهم ينزفونـ، يصفقون لمن يقودهم لفنائهم المحتوم ويدعونه الباسل المغوار. والأخطر من ذلك أن النصر المزيف يجعلنا أسرى مسلسل لا ينتهي من المعاناة والتراجع، فأول خطوة للخروج من أي هزيمة أو فشل هو الاعتراف بحدوثها، الاعتراف بالهزيمة ليس عارا، فالاعتراف يفجر الأسئلة ويدعو لتحمل المسؤوليات، بل هو نصف الطريق نحو التحرر من الانهزام والبدء بعملية نهوض تحمي أكبر نصر سطرته أجيال الشعب الفلسطيني في وجه الحركة الصهيونية وهو بقاء الشعب الفلسطيني على ما تبقى من أرضه، وتعمل على تعزيز وتنمية هذا الوجود ليصبح أكثر قوة ومنعة.

  • كاتبة فلسطينية
    فلسطينية مؤمنة بعدالة قضية شعبها، كاتبة وباحثة، لها مقالات كمنشورة في جريدة القدس الفلسطينية ومواقع إلكترونية متعددة. - حتى نيسان 2024، كانت تعمل باحثة قانونية في وزارة التنمية الاجتماعية، وكانت تدرجت في عدة مهام داخل الوزارة منها مرشدة حماية الأسرة في مديرية رام الله. حاليا متفرغة لدراسة الماجستير تخصص قانون جنائي وعلوم إجرام في جامعة تونس المنار- تونس العاصمة، وتقيم هناك لغرض الدراسة. - بالإضافة لذلك هي أيضا طالبة ماجستير أوشكت على إنهاء رسالة الماجستير، تخصص فلسفة واستراتيجيا اللاعنف، الكلية الجامعية للاعنف وحقوق الإنسان " أونور"، بيروت، لبنان. حاصلة على درجة البكالوريوس في تخصصين في القانون من الكلية العصرية الجامعية- رام الله، وعلم النفس من جامعة النجاح الوطنية- نابلس. - حاصلة على العديد من التدريبات، وشاركت في عشرات المؤتمرات واللقاءات التلفزيونية والإذاعية. - لها ورقة بحثية نشرت في كتاب بعنوان: المقاومة الشعبية في فلسطين، نشره مركز السبيل للاهوت التحرر. من مقالاتها: - في ظلال أعياد الميلاد المجيدة. - ذهب الاستعمار وبقيت سن باتريس لومومبا. - كلمات في رحيل جان ماري موللر. - متلازمة الأنثى الشريرة. - درس من التاريخ لغزة وللمستقبل. - ماذا بعد رفح؟ - قدر أم مسؤولية. - مثقفون في وجه التغيير.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا