48 عن دار وفاء سيكا للنشر بالكاف صدرت هذه الأيام الطبعة الأولى من مجموعة “الديوان التافه” للشاعر وليد السبيعي لتسجّل بذلك الرقم التاسع في رصيد إصدارات هذا الشاعر الطبيب والذي شخّص بطريقته الطبية التفاهة في زمننا الرديء هذا عبر السخرية ونقد التفاهة بمختلف أشكالها والتي اجتاحت خاصة الساحة الإبداعية خلال السنوات الأخيرة حيث تنوعت علامات السرقة والركوب على الاحداث من منطلق الوطنية والعروبة والمجاملات الأدبية والحديث والحوار الذي لا شيء فيه سوى عبارات توحي بالعمق ولكن لا معنى لها وإذ اختار الشاعر عنوانا ،غامضا لمجموعته، يبعث على الدهشة والاستغراب في عالم النقد الأدبي الذي تعوّد على جمالية العبارة فإن الغموض لن يطال القارئ أو الناقد كثيرا لحظة معانقته لهذا الأثر الذي أثاره شاعرنا باختياره “الديوان التافه” عنوانا لديوانه ثم بانتحاله هوية تخالف هويته الرسمية عندما مَهَرَ الديوان باسم وليد (غير) السبيعي وأخيرا صفحة البداية التقنية التي تضمنت رفض الشاعر في نرجسية صارخة إجراء أي تدقيق لغوي لأنه لا يخطئ طالبا من الآخرين التوقف عن تتبع زلاته، إذ سرعان ما يتضح هدف شاعرنا من الديوان من صفحة الإهداء بتعداد قائمة المهدى لهم وهم “ممتطٍ صهوة الشعر على عجل دون زاد” و” لاهث خلف صورة الشاعر دون نص” و” معتقد في الألقاب البراقة ، والشهائد الزائفة ومنتش بالقراءات النقدية العاشقة” و” متحجر في عهود الشعر الغابرة” ليختمها شاعرنا بإقراره” أهديكم ديواني هذا ، وأقرُّ لكم بأنَّه ليس من الشّعر في شيء. ..!” ومن الإهداء وكأن الشاعر اختار قارئ نصّه من حيث النوع ربما ليدغدغ فيه تفاهاته عبر عمل شعري ظاهره نصوص تحاكي التفاهة التي غزت الساحة الشعرية في أيامنا هذه وباطنه نقد لاذع ينم عن تطور ملكة النقد لدى الشاعر وليد السبيعي الذي شرَّحَ بمشرط الطبيب العديد من الظواهر السلبية من افتقار العديد ممن يكتبون اليوم للزاد اللازم لذلك واعتبار العادي من الكلام شعرا ، والسرقات الأدبية بترجمات “غوغل” لقصائد من اللغات الأخرى إلى إعادة تدوير الشعر القديم واجترار مواضيع منبتة عن الواقع وصولا إلى استقالة النقاد من دورهم التحكيمي في ضبط الساحة الشعرية والقراءات العاشقة التي تفتقد للمرتكز العلمي ناهيك عن الكتابة بمقابل ومجاملة الأصدقاء والجميلات حتى وصل الأمر بالبعض إلى التنظير للتفاهة ولذلك اخترع شاعرنا “أبوالشرك مدفوع الأجر” و”مُجامل التُفهي” و”أبو ميسنجر نزوة لمن طلب” وهي أسماء لنقاد مفترضين قدموا لهذا الديوان الذي ختمه شاعرنا بقصيدة “جنون العظمة” في نقد لاذع لتورم الأنا الشاعرة وهي قصيدة ذيلها في الأخير بجملة “انتهى الديوان التافه وأودِع الشاعر وليد غير السبيعي مشفى المجانين” ورغم ان هذه المجموعة تهتم بالتفاهة في مجال الحركة الأدبية والشعرية أساسا فإنها مجموعة جادة في رسالتها اذ يبلغ سعرها 100 دينار وهو ثمن مشطّ إلاّ أن صاحبها اختار غلاء تسعيرة بيع مجموعته عن مبدا وقناعة لا بسبب غلاء عملية النشر والطباعة بل أكّد ان سعرها يتماهى مع قيمة التفاهة اليوم ماليا مصرّحا أن “التفاهة سلعة رائجة هذه الأيام وقاعدة العرض والطلب تقول إن السلعة إذا راجت غلا ثمنها” يشار الى ان لوحة غلاف هذه المجموعة كانت بأنامل الشاعر والرسام وطبيب الأسنان الدكتور حكيم الهرمي وكانت خير ترجمان لمضمون المجموعة ورشحت ألوانا تنزَّلَ بها وحي ريشته اما آخر الغلاف فقد تضمن السيرة الذاتية الحقيقية لشاعرنا الذي استعاد جديته بتذكيرنا بمؤلفاته الثمانية التي تشكل بداية ملامح لمشروع حضاري متفرد يشتغل عليه منذ سنوات حيث تأتي هذه المجموعة عصارة لمتابعات الشاعر ومعاناته مع تفاهات الساحة الشعرية وهو الحاضر في عدد هام منها وفي عدد آخر خارج حدود الوطن لنتساءل عن المغزى من طرح هذه الإشكالية هل للفت النظر او للتعبير الذاتي عن الاستياء وهل من بديل من شاعر يريد التميز والصدق قولا وفعلا وهو ما ننتظر ان يخطه في مجموعته القادمة