الصفحة الرئيسية قصيدة النثر منصورة عمر تكتب “أحتاجك… أحتاج نافذتك!!”

منصورة عمر تكتب “أحتاجك… أحتاج نافذتك!!”

375 مشاهدات 3 دقائق اقرأ

تقديم النص:

هذا النص يفيض شجنًا وعصفًا وجدانيًّا، ينهل من نبع العاطفة المجنونة التي تتصارع بين الحب والفقد، بين الحضور والغياب، بين الأمل والخيبة. هو مونولوج داخلي متخم بالتوتر، تتحدث فيه الذات الشاعرة بصوت الريح المجنونة التي وجدت نفسها وقد أُغلِقت في وجهها النوافذ، ففقدت مداها وانهارت في زوبعة من الحنين والتمرّد.

يبدأ النص باستفهام يفتح على الغموض والمرارة: “عن أي أمد تتحدث؟”، وهو سؤال يختصر مأساة العلاقة التي انتهت، ويؤكد أن الأمد الحقيقي لم يكن سوى زمنها معه، زمنٍ ضاع، فتاهت فيه السبل، وامتلأ الصمت بالموت والقتل الداخلي. هنا ينهض البعد الوجودي للنص؛ فالحبيبة لا تتحدث عن علاقة فقط، بل عن حياتها التي انطفأت حين أغلق الآخر نوافذه.

يتحول النص بعد ذلك إلى سردٍ شعريٍّ لذكريات الانصهار؛ حيث كانت “ريحًا مجنونة” بعثت الحياة في القفر، فامتلأ الكون بالعشق والنور، وصارت الشمس شمسهم وحدهم. هذه المقاطع تتخذ إيقاعًا احتفاليًّا، يزدان بصورٍ كونية (الشمس، المطر، الأفق، القصيد) تعبّر عن وحدة الوجود بين العاشقين. غير أن هذا الصفاء لا يدوم، إذ تنكسر الصورة حين يطلب الحبيب العودة إلى الوراء، فيتحوّل النص إلى رثاء لعلاقة فقدت معناها.

من منتصف النص، يتبدّل الإيقاع إلى عصف داخلي: تصير الريح المبدعة زوبعة مدمّرة، تبحث عن نوافذ تحطّمها كي تستعيد نفسها. الغضب هنا ليس عشوائيًّا؛ بل هو صرخة كائنٍ جُرّد من ذاته حين حُرم من الحبّ الذي كان مرآته. وحين تقول: “أحتاجك… أحتاج نافذتك”، فهي لا تطلب عودة الحبيب فحسب، بل تبحث عن استعادة كيانها الممزق.

أما في الخاتمة، فيكتمل التحوّل المأساوي. الريح التي كانت حياةً ودفئًا صارت غبارًا وخرابًا، بعد أن استبدلها الحبيب بـ“نسيمٍ عليلٍ” خالٍ من الجنون والشغف. وهنا يبلغ النص ذروته الرمزية: فالعشق في جوهره ليس راحة بل احتراق، ومن يخاف الاحتراق لا يستحق أن يكون مهبًّا لريحٍ عاشقة.

النص إذن تجربة حبٍّ فادحٍ ووعيٍ بالخذلان، تذوب فيها اللغة بين الشعر والنثر، بين الخطاب العاطفي والاعتراف الوجودي. هو نصّ عن امرأةٍ فقدت صوتها حين صمت الآخر، فكتبت لتستعيد أنفاسها، ولتقول في النهاية:

إن لم تفتح نافذتك لريحي المجنونة، فستبقى الريح تبحث عنك… فيّ… [نيابوليس الثقافية]

النص الشعري:

عن أي أمد تتحدث
عن أمدي معك
عن سبلي التي تاهت معك
أي أمد تطيق
وكل ما حولنا يعلن الصمت والقتل
ما عدت أطيق قتلي
لم أعتد صمتا
أرى روحي تزهق وأنا أسلمها
أراها تريد نفسا وأنا أمنعها
أطبقت عليها حجرة
لا تطلب مني صمتا
فالصمت لم يُخلق لي

كنتُ ريحك المجنونة
فتحتَ لي نافذتك
جددتُ هواء القفر
كنتَ جذلا
كنتُ بين ثناياك أسري
كنتَ تتشربني وتغرق في مائي
كنتَ تتضلع بماء روحي
حتى تركنا القفر وطرنا
جبنا السهول والبحار
غرقنا في بحور الشعر والقصيد
حتى المطر كان برذاذه يحيينا
تلك القطط الجميلة تحيينا
غنينا وتلثمنا عانقنا الأفق
استبحنا الليل حتى لم يكن
وعانقنا الشمس حتى صارت شمسنا
صباحات ملأناها بصدق اللقاء
كان الفضاء عدما أو هكذا رأيناه
كل المدى لنا
تعدلت بوصلة العالم مع وقتنا
هاجر الجميع وترك لنا الكون
صار لنا وحدنا
فإذا بك تطلب العودة

تطلب عودتنا لمن؟
تطلب صمتي؟
تطلب أن تخرج روحي؟
تطلب أن أكتم أنفاسي؟
كيف طابت نفسك بإزهاق ثرثرتي؟
كيف غبت عن حواسي؟
صار الليل أطول
صار المدى أقصر
حتى بكائي لم تسمع
شمسنا تنظر إلينا بحزن
تنتظر صباحاتنا المملوءة بالشكر والحب
لم أعد أرى مكاني
تهت في زماني
غابت أناشيد الوجد
صرت اليوم أبعد وأبعد
والخوف يسكنني
أقفلت نافذتك وطلبت من جنون ريحي الهدوء
سكنت ريحي
وصارت غبارا على كتبك
على جنبات قلبك
على رفوف مكتبتك
فتحتُ الباب وخرجتْ
لم أعد أشتم رائحتك
صرت أحدث زوبعات في الطريق
صرت أبعثر كل ما يمر بطريقي
أحاول كسر زجاج النوافذ
أحطم ما أجد في طريقي
جنوني فاق التصور
حملت في طريقي كل أوراق الشجر
علني أهدأ
لكن عبثا
أحتاجك

أحتاج نافذتك
تدخلني من جديد فيها
وتهدئ من زوبعتي
تهدهدني بجانبك
أتكئ على طاولتك
أمسك دفاترك
أنفض غبار ألمي
تمسح دموعي دون خوف من الرجوع لمتاهتي
أريد السكينة
أريد الماء
فأنا عطشى
رأسي يئن
أيا تعبي

يا أنايا
أغلق نافذتك
لا تتوقع للريح أن تهدأ
لا تطلب منها هدنة
أغلق نافذتك
فهذا النسيم العليل يبهجك
فضلته عن ريح مجنونة
صرت تتنسمه بشذا العطور
صار يغري
صارت ريحي أبشع
صارت تبعثر المكان
زوبعاتها تزعجك
وما قدرت على تهدئتها
كل كلماتي تعجز عن وصفي
كل القصائد تنعتني
كل بحور الشعر تلقيني
كان عبقك يسري في خلجاتي
كنت أنام وأشم رائحتك
يهدهدني صوتك
ترقيني
تحرسني
تفنيني

يا أنايا
كنت طوقا من ياسمين
كنت طوقا يحيط بي
كنت تلتف حولي
تقودني لعالم السحر الذي لم أزره يوما
صارت خلايا جسدي المريض تحيا
صارت ابتسامتي تعلو السماء
صارت ضحكاتي تطير في الأفق
صار الأمل أطول
صار اليوم أجمل
حتى أنني صرت الأجمل على الإطلاق
صار بريق وجهي كشمس الشتاء الدافئة
صارت عيناي تتقدان شرر الحب والفرح
كنت أكلم السحب وأناجي المطر وأحكي للزهر
صار الجميع حبيبي
صار الكل صديقي
ذاك الشجر كنت أحدث
تلك القطة الجميلة كلمتها حادثتها صادقتها
أخبرتها عن سعادتي التي وجدت
عن حب لا كحب البشر
وددت لو أن لي قارورة سحرية أخبئ فيها عطر جسدك
كان لحافك كما أزهار الياسمين تنشر شذاها حولي
كنت أشمه وألثمه وأنام

أغلق نافذتك عن النسيم
النسيم البارد العليل
صرت أخاف أن تستجم فيه وتنسى ريحك المجنونة
وددت لو حملت السماء أدمعي
كتبت حروفي بماء دموعي
يجف الحبر ولن تجف دموعي
ألقاك حين ألقاني
فلم أعد أقوى المزيد

  • شاعرة ليبية
    منصورة عمر من بنغازي ليبيا ... أحب الكتابة، اكنب الخاطرة ونصوص ادبية وقصص قصيرة ومع محبتي الشعر بدأت بكتابتي له في تونس

اقرأ أيضا

أترك تعليقا