الصفحة الرئيسية الشعر الحر محمد هادي عون يكتب “دنوت من الجوى!!”

محمد هادي عون يكتب “دنوت من الجوى!!”

342 مشاهدات 1 دقائق اقرأ

تقديم نص القصيدة:

هذا النص قصيدة وجدانية رقراقة، تنبض بعاطفة شفيفة ووعيٍ جماليّ عميق، يُبحر فيها الشاعر في فضاء التأمل والاغتراب الروحي، ويستقي جماله من ازدواج النور والخذلان، والسمو والانكسار.

يبدأ الشاعر بحالة من الانسجام الكوني، حيث تتوحّد الذات مع مظاهر الطبيعة: يرتشف الندى، يرقص مع المطر، ويسبح في ضوء القمر. هذه الصور العذبة ترسم ملامح روحٍ حرةٍ شفافة تبحث عن المعنى في الجمال البريء، وتجد في العزلة أنسًا وفي الليل أنيسًا. غير أنّ هذا الصفاء يتحوّل تدريجيًا إلى حزنٍ رقيقٍ ومكاشفةٍ مريرة، حين يقول: «دنوت دنوت من الجوى، جلست مع وجد السحر»، إذ تتبدّى الذات وهي تنزلق من نشوة الجمال إلى جرح الوجود.

يتصاعد الإيقاع الوجداني كلّما توغلت القصيدة في سرد الخيبة والخذلان، حيث يُعبّر الشاعر عن اغترابه بين الناس وضياعه في زمنٍ فقد المروءة والنقاء: «تعبت من دناءة البشر، سُقيت الخذلان والجفاء». هنا يخرج الشاعر من عالم التأمل الجمالي إلى عالم التجربة الإنسانية الجارحة، فتصير القصيدة رحلة من الانسجام إلى الرفض، من الحلم إلى الوعي المؤلم بفساد الواقع.

لكن رغم هذا الانكسار، تختتم القصيدة على نغمة تصالح وسلام؛ فالشاعر، بعد أن عبر العاصفة، يستعيد نقاءه الداخلي، ويبعث رسالة حب وسلام إلى أصحاب القلوب الطيبة: «شكرا لكل من فضله دنا، وأحب الخير لكل البشر». هذه الخاتمة تمنح النص روحًا تطهرية سامية، تجعل الألم وسيلة للسمو لا للهلاك، فيتحول الوجع إلى نورٍ أخيرٍ من الحكمة والصفاء.

إنها قصيدة تتأرجح بين الطهر والألم، بين الحلم والخذلان، بين الشكوى والسلام، وتكشف عن قلبٍ إنسانيٍّ رقيقٍ يواجه قسوة العالم بالجمال والإيمان بالخير… [نيابوليس الثقافية]

نص القصيدة:

ارتشفت من رحيق الندى
رقصت مع زخات المطر

نهلت من قصص الهوى
سبحت في ضوء القمر

ألفت وحدتي في الدجى
سهرت مع نجم السمر

بعيدا بعيدا في السماء
عرجت نحو ضفاف الكدر

دنوت دنوت من الجوى
جلست مع وجد السّحر

نثرت حرفي على الحصى
غصت في بحر الضجر

قلت يوما هل من دواء
من يريح قلبي المنكسر

كتبت روحي إلى المدى
كلمات تنزف لا تذر

حلّقت بها نحو الفضاء
عبرت لدنيا المستقر

تاقت الروح إلى العلا
للحن الحياة وعزف الوتر

نسيت يومي ومن أنا
كلّما زاد رقم العمر

لا انتمى لهذه الحياء
روحي تأبى عيش الحفر

حملت غربتي في الحشا
تعبت من دناءة البشر

سُقيت الخذلان والجفاء
رأيت بعيني مرّ القدر

لتحملني الرياح من الثرى
لتنثرني على الموج المستعر

أو أكون ريحا أو هواء
يراقص بلطف اوراق الشجر

لأعيش يومي لا أرى
سود القلوب وقبح الوحر

لكن يبقى رغم القذى
دمث القلوب جميل الأثر

شكرا لكل من فضله دنا
وأحب الخير لكل البشر

سلام لكل هؤلاء
سلام لنفوس من دُرر

سلام وانهي بكلام الدفاء
لأصحاب المكارم والنّضر

  • شاعر تونسي
    محمد الهادي عون هو شاعر تونسي معاصر وناشط ثقافي، وُلد في 21 ديسمبر 1974 بمدينة نابل، تونس. إلى جانب اهتمامه بالأدب، يمتلك خلفية أكاديمية في مجالات الإعلامية وتطوير البرمجيات، ويعمل في مجال التسويق الإلكتروني، حيث يدير عدة مشاريع ومواقع إلكترونية من بينها مجلة "نيابوليس" الثقافية التي تُعنى بالأدب والفكر والإبداع التونسي والعربي. يُعرف محمد الهادي عون بإسهاماته الواسعة في تنشيط الحركة الثقافية والأدبية بالجهة، فقد أطلق وشارك في تنظيم العديد من الفعاليات والمبادرات الأدبية من أبرزها: ملتقى "عشاق الشعر"، وسلسلة "مجالس الأنس والأدب"، و"منبر الأنس والأدب"، إلى جانب مشاركته في لقاءات ثقافية نظّمتها المكتبة الجهوية ودار الثقافة بنابل. كما نُشرت له قصائد في مجلات أدبية تونسية وعربية، ما جعله يُعد من الأصوات الشعرية الحاضرة في المشهد الثقافي الحديث. من أبرز أعماله الشعرية قصيدة "اللؤلؤة"، التي كتبها بمناسبة عيد الأمهات ونُشرت في ماي 2023. تحمل القصيدة بُعدًا وجدانيًا عميقًا، حيث يصوّر فيها مشاعر التقدير والحنان تجاه والدته، ويُشبّهها بالحورية والملاك، موضحًا عجز اللغة عن الإحاطة بعظمتها، ليُهديها في النهاية "لؤلؤة" رمزية تعبّر عن محبته ووفائه. وقد لاقت القصيدة صدىً واسعًا وتأثرت بها والدته تأثرًا كبيرًا عند سماعها. يمزج عون في كتاباته بين الشعر والنثر بأسلوب شفاف وعاطفي، ويهتم بمواضيع الأسرة، الذاكرة، الحب، الوطن، والحنين، مما يجعل شعره قريبًا من القارئ، صادقًا في التعبير، ومرتبطًا بالتجربة الإنسانية اليومية.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا