الصفحة الرئيسية قصيدة النثر مجيدة محمدي تقدّم نصّا نثريا بعنوان “قميص اللغة الممزق!!”

مجيدة محمدي تقدّم نصّا نثريا بعنوان “قميص اللغة الممزق!!”

417 مشاهدات 1 دقائق اقرأ

اللغةُ تهتزُّ بين أصابعي،
كما لو أنّها طفل عنيد،
تتشظّى في فمي قبل أن أتمكّنَ من جمعها،
تتعثرُ في مساماتي،
تسقطُ في أزقّة الروح،
تحاول أن تُغطّيَ صخبَ العدمِ،
لكنَّها لا تفي،
لا تفي بمقدارِ صراخِ الزمن.

أمزقُ الحروفَ كأوراقٍ قديمةٍ،
أجمعُها على شكلِ قميصٍ لم يعد يدفئ،
يغدو قلبي عارياً أمامَ التجربة،
أحاول أن ألبسه،
فتتمزّق الخيوطُ في راحتي،
ينسلّ المعنى بين الأصابع،
تظلُّ الكلماتُ تترنّحُ على حافةِ الصمتِ.

الواقعُ يضغطُ على اللغة،
يضغطُ على المسافاتِ بين النطقِ والفكر،
يطوي الصباحاتِ في سطرٍ واحدٍ
ويذبح الليلَ بلا رحمة،
والألمُ يمتدُّ كجسرٍ مهدمٍ
بين ما أرغب في قوله، وما أستطيع…

أرى الصورَ تتساقطُ،
تتكوّرُ كأجسادٍ صغيرةٍ
تختبئُ في حنايا النصّ،
أمسكُ ما تبقي،
أعيدُ ترتيبَها في جدائلَ متشابكة،
لكنّها لا تتّحدُ،
تبقى شظايا،
بقايا لغةٍ لم تعد قادرةً على التعبير.

أسألُ عن العالمِ،
عن أولئك الذين يشربون من أنهارٍ ملوّثةٍ،
عن الغيومِ التي تحمل دخانَ المدن،
عن الصباحاتِ التي تذهب بلا موعد،
عن المساءاتِ التي تنهار فوق رؤوسنا،
وكلُّ ما أملكَه هو قميصٌ ممزق،
أحاول أن ألبسه على جسدِ الواقع،
وأتمنى ألا ينكشف كل شيء.

أحاول أن أغني،
لكن الأوتارُ مقطوعة،
والحنجرةُ مسدودةٌ بالحجارةِ،
أحاول أن أطير،
لكنّ الريشَ منتوف من جناحي،
أحاول أن أكتب،
لكنَّ الكلماتَ تهربُ مني
كما يهربُ الماءُ من أيدي العطاشى.

اللغةُ، مثل مرآةٍ مكسورة،
تعكسُ بعض ما هو موجود،
لكنها لا تُعيدُ الصورة كاملةً،
أرى في شظاياها نفسي،
أرى العالم،
أرى الألم،
وأدركُ أنّ ما بيننا وبين التعبيرِ
هو فجوةٌ سحيقةٌ،
لا يربطها إلا حلمٌ صغيرٌ،
قميصٌ ممزقٌ
يحاول أن يدفئَ الروح العاريةَ من المعنى…

  • شاعرة وكاتبة تونسية
    مجيدة محمدي شاعرة وأديبة تونسية، تكتب الشعر، والقصة القصيرة والمقالات الأدبية والاجتماعية، متحصلة على شهادة المدرسة الوطنية للعلوم الاعلامية ENSI متحصلة على عدة شهائد تقديرية ودكتوراه فخرية، من مختلف المؤسسات الثقافية العربية والدولية متابعة للشأن الثقافي العربي اشتغلت سابقا مديرة العلاقات العامة بوكالة سيروس الإعلامية الالمانية وصحفية رئيسة القسم الادبي بها، موظفة، زوجة وأم لثلاث أطفال. لها إصدار شعري بعنوان " انا واخرياتي ومخطوط ديوان آخر بعنوان " نص خارج النص" ومخطوطة كتاب مقالات ودراسات بعنوان "العين الثالثة

اقرأ أيضا

أترك تعليقا

سجّل اسمك وإبداعك، وكن ضيفًا في محافلنا القادمة

ندعو الأدباء والشعراء وسائر المبدعين إلى أن يُضيئوا حضورهم بيننا بتسجيل أسمائهم وتعمير الاستمارة التالية، ثم النقر على زر «أرسل» ليكون اسمكم ضمن قائمة الدعوات إلى تظاهراتنا الثقافية القادمة — حيث يلتقي الإبداعُ بنبض الحياة، وتُصاغ الكلمةُ في فضاءٍ يليق بكم وبأحلامكم.