108 أسيرُ الخطىُ تحيط بي كسورٌ من نورٍ كتبني قبل الطريقُ يتحوّلُ ذاكرةً تنقّب عني في صمتِ الحجارةِ وتعيدُ اسمي كلما انزلقَ النورُ بين الحصىِ ظننتُه ساحةً أزرعُ فيها دفءَ قلبي فإذا به يكتبُ خطواتي كوشمٍ لا يُمحى يغرسُ الأثرَ في الأرضِ ويعلّمها أن تحفظَ أسماءَ العبورِ أذكرُ طريقَ الزيزفونِ القديمِ حيث جلستُ أعدُّ الحروفَ كمن يعدُّ الزادَ كأنَّ هناك حفظَ أسماءَناليعيدَها عند كلِّ مرورٍ في أيامِ التشقّقِ لم تذبلِ الذكرىبل انعقدت صلابةً مضيئةًتضيءُ عتمةَ الغيابِ أجوبُ البلدةَ فأعرفها بعينٍ مغلقةٍبيوتٌ متلاصقةٌ كحروفٍ من طينٍشبابيكُها تبتلعُ ضوءَ الظهيرةِوأبوابُها تحفظُ أصواتَ الرجالِ والخبزِبساتينٌ خلفَ الأسوارِزيتونٌ ورمانٌ تجهدان للصمتِتمرُّ أنابيبُ استجرارِ الماءِ تحتَ خطواتناتهمسُ بحكايا السقي في أمسياتٍ لا تنطفئ الرسائلُ التي عَلَّقتها على جدارِ الصمتِتحوّلتْ إلى أبوابٍ تُفتحُ من الداخلِفتقودني ذاكرتي إليّ كلُّ هبةٍ قدّمتُها لم تُهدرْكانت بذرةً في شقوقِ الطريقِوالنورُ الذي أرسلتُه لم يمتْ في عيونِ العابرينبل نثرَ مواقعَ استيقاظٍ خافتةٍ واليدُ الممتدّةُ التي اعتقدتُها عبئًاصارت جسرًا ذا وزنٍ يصنعُ توازنَ الذاكرةِمددتُه فأعادَ الذاكرةَ أن تقفَ وتُسندَ جاءتِ الدهشةُ كقبلةٍ تُراجعُ ثمنَهالتكشفَ أن العطاءَ ليس صدىً يُقاسُبل قدرةُ السبيلِ على أن يحفظَ ما نُوّدِعُ فيه التراجعُ ليس هروبًابل ترميمٌ للصندوقِ الذي فيه وفرتُنا أعدتُ تفسيرَ الذاكرةلم تعدْ هباءًبل مثقَلةً بالغيابِ تتخمّرُحتى تصبحَ أثرًا يُقرأُ عند المارةِقرأتُ آثارَ أبي على عتبةِ البيتِحين عدتُ بعد غياب تعلمتُ أن الحبَّ يُمنحُفالرحيلُ أحيانًا ختمٌ يسدُّ صفحةًكي تبقى الخطى كوشمٍ على الحجرِ أعماقُ الأشياءِ تقرأها الأيامُ بصبرٍفلا يُقاسُ الوجودُ بما يظهرُبل بما يبقى بنبضٍ مخفٍ يبقى السؤالُ معلّقًاهل كانت وفرتُنا نورًا دفينًاأم أثرًا بنتْه الأرضُ لتقرأَه الأقدامُ؟ أجيبُ أحيانًا بذكرى بسيطةٍطفلٌ يبيعُ جرائدَ الصباحِامرأةٌ تبسطُ حناءً على يدٍ متعبةٍوجوهٌ تمرُّ فتعودُ في ذاكرةِ الطريقِلتخبرني أنني لم أكن وحدي في العطاءِ في صمتٍ يعتّقُ كالخلِّأستشعرُ أن الوفرةَ لا تذوبُ إن وضعتُها في سبيلٍ تحفظُهُوأن الغيابَ حين يمرُّ على طرقٍ تحفظُ الخطىيتركُ ندبةً تُقرأُ كخارطةٍ للوجودِ شاهدًا أننا مررناوأحببنا ولم ننسَوتعبنا ولم نرتَحوعدنا وعدنا ولم نصل… لكن الطريقَ حين يحفظ أثرَنايعلنُ أن الوصولَ ليس محطةًبل حضورٌ يتكرّرُ في كلِّ خطوةٍوأن الوفرةَ التي تركناها في صمتِ الحجارةِهي الخلاصُ الذي يبقى بعد الغيابِ الشاعر زاهر الأسعد