أنا لست فضيلةً كما تزعمون، ولا تاجًا من نورٍ تزيّنون به جباهكم.
أنا سجنٌ أنيق، جدرانه من الوهم، وسقفه من رجاءٍ يتهالك مع الزمن.
أنا اليد التي تُكبّلكم… وأنتم تبتسمون شاكرين.
تظنونني قوة، لكنني في جوهري ضعفٌ يرتدي عباءة القداسة.
أترككم تنتظرون الفرج حتى يتآكل الفرج فيكم، وتترقبون العدالة حتى يشيخ العدل، وتبحثون عن الحب حتى ينطفئ القلب.
أغويكم بكلمةٍ واحدة: اصبروا… فأسرق من أعماركم ما لا يعيده زمن.
أنا الصبر… ألتهمكم بصمت، أقتات على أيامكم لقمةً بعد لقمة.
كل دقيقةٍ تقفون فيها بلا حراك، أكون أنا الرابح الوحيد.
كل دمعةٍ تكبتونها باسمي، تصبح قطرةً جديدة في كأسي الذي لا يمتلئ.
لا تنخدعوا بي… لست دائمًا رحمة.
أحيانًا أكون القيد الذي يمنعكم من الصراخ، والجدار الذي يحجب عنكم الثورة، والغطاء الذي يدفنكم أحياء.
أجعلكم تظنون أن الانتظار فضيلة، بينما أنتم في الحقيقة تنزفون ببطء.
أنا الصبر الذي يستهلككم… يمتص قوتكم، يبتلع أعماركم، ويترككم في النهاية رمادًا يتذكر أنه كان نارًا يومًا ما.
إضاءة
هذا النص لا يهاجم الصبر كقيمة روحية أو فضيلة، بل يكشف الوجه الآخر له حين يتحوّل من قوّةٍ تمنح الثبات، إلى قيدٍ يستهلك العمر ويؤخّر القرار. الفكرة هي دعوة للتوازن: أن نعرف متى يكون الصبر قوة، ومتى يصبح استنزافًا يسرق حياتنا بصمت.