هذا النص الشعري يقدّم لوحة شعرية حية عن الوطن والشعب والتاريخ، حيث يمتزج الحزن على ما فُقد بالاحتفاء بما تحقق من نهوض وتجدد. يبدأ النص برثاء الأقلام والجفاف الذي أصاب الصحائف، ليعكس خيبات الأمس وانكسارات الزمن، ثم يتحوّل تدريجيًا إلى استنهاض للفخر الوطني والمجد، من خلال صور الطبيعة والرياح والغيث، ورموز تونس العروس والنور والجنان. اللغة متدفقة ومشحونة بالإيقاع والوزن الداخلي، وتستعمل التكرار والقوافي المتناغمة لخلق إحساس بالاحتشاد والحركة. النص يجمع بين النقد الاجتماعي والسياسي وبين الرؤية الوطنية الملهمة، ويترك للقارئ إحساسًا بالقوة والعزم على صون الكرامة والمجد… [نيابوليس الثقافية]
القصيدة:
أَقْلاَمُكُمْ أَحْنَتْ وَجَفَّ مِدَادُهَا
قُومُوا ارفعوا صُحُفًا بَدَتْ أَسْمَالاَ
أَذْوَتْ صَحَائِفُكُمْ تُرَاثَ بِلاَدِنَا
فَتَحَشَّدَتْ سُبُلُ الْرِّضَا أوْحَالاَ
وّالنَّهْرُ مَاتَتْ فِي السَّوَاقِي مِيَاهُهُ
والنَّخْلُ يَشْكُو تُرَابُهُ الإهمالا
وَالبَحْرُ أَعْلَى صَوْتَهُ مُتَسَائِلاً
مَا بَالُ أَمْوَاجِي شَكَتْ أَغْلاَلاَ
واشتاق لِلرِّيحِ الصَّبُوحِ نَسِيمُنَا
مِنَ فَرْطِ مَا لاَقَى الصَّبَا أهْوَالاَ
قُمْنَا الَى المَجْدِ الأَنِيقِ بِقَامَةٍ
فَرْعَاءَ فَاتَتْ فِي السَّمَا أَطْوَالاَ
يَا أَيُّهَا السَّاعُونَ فَاتَ زَمَانُكُمْ
وَتَقَطَّعَتْ بِكُمُ الدُّنَى أَوْصَالاَ
يَا أَيُّهَا النَّاعُونَ بَيْنَ عُرُوقِنَا
هِجُّوا إِلَى قَبْرِ الْفَنَا أَرْتَالاَ
سِيرُوا هُنَاكَ حيْث يُحفرُ قبْرُكم
سيروا رُزِئْنَا مِثْلَكُمْ أَمْثَالاَ
لمْ ترْأَفُوا عند اليَسَارِ بأهْلِكُمْ
قدْ خَابَ مَنْ كُنْتُمْ لَهُمْ أَبْطَالاَ
قد خاب إذْ أَفْتَى الدُّهُورَ فَقِيهُكُمْ
وجرَى إليْكمْ في الدُّجَى أَمْيَالاَ
ويظنّ أنّ الهدْيَ يأْتي لحالمٍ
نامَ الزَّمانَ وجرْجرَ الأذْيَالاَ
ويبيعنا الأمْلاَحَ ساءَ مَبِيعُهُ
وَيَقُولُ حِينَ نُكَذِّبُ الأَقْوَالاَ
قالوا جميعا يالَ هَوْلَ مَقَالِهمْ
بلْ زادهمْ غَيُّ الحجى أَفْعَالاَ
قالوا لدينا الشَّعب يجهل حقه
نعطيه حلوى تُسكتُ الأطْفَالاَ
نبني قصورا بالكلام جدارُها
والإفكُ يغري حلوُهُ الأَجْيَالاَ
مذْياعُنا والتلفزاتُ وسحرُنَا
والجنُّ تبني تمدُّنا الأعْمَالاَ
ظنوا المنابرَ والصَّحائفَ آلةٌ
تبني العقولَ وتنشرُ الأَغْوَالاَ
ظنّوا بنَفْثِ الإفْكِ يُبْلِغُ غَايَةٌ
والشّعب أحكم شطرَهُمْ أَقْفَالاَ
عادوا إلى أصنامهم بدعائهم
واستمسكوا بحبالهم أسْفَالاَ
يسْتَجْمِعُونَ شتاتهم ليعاودوا
نبش الصّراع ليَسْكُنُوا الأدْغَالاَ
يسْترجعون تجمُّعًا وفَصَائِلاَ
ويلمْلمون إلى الوغى أذْيَالاَ
في كلّ بوق ينفثون توعّدًا
في كلّ ساحٍ خلّفوا أنْصَالاَ
ما كان في الميدان إلا هزائمًا
شكلٌ يُلاَقِي فِي الرَّدَى أشْكَالاَ
قد وسّع التّاريخ فيه مزابلا
فتكدّست حذوَ القَذَا أَطْلاَلاَ
تونسْ تفصّتْ منْ شرانق آفةً
ضاقت عليها فحطّمَتْ أَغْلاَلاَ
قامت أتاها الرّيح يمشط شعرها
والغيث جاء يطهّر الأوْحَالاَ
قامت عروسا بعد طول ترقُّبٍ
جرّت على روض الشّذَى أذْيَالاَ
واستقبلت بنتًا كأنّ جبينها
نورٌ تسلَّلَ للدُّجَى وَانْهَالاَ
وقفت إليها من الجنان بُدُورُها
والرّاسياتُ ترنَّحَتْ إِجْلاَلاَ
جاءت إليها والمدائن خشَّعٌ
والعالمين تبدَّلَتْ أَحْوَالاَ
كُلٌّ يَرَاهَا مِنْ سُلاَلَةِ قُرْبِهِ
قَدْ نَازَعَتْ أَعْمَامُهَا الأَخْوَالاَ
لاَبُدَّ للرُّوحِ الطَّلِيقِ صَفَاؤُهُ
دَانَ الزَّمَانُ بِمَجْدِهِ أَوْ دَالَ
كلُّ العَوَاصِمِ أزْلَفَتْ أَسْمَاعَهَا
دَرْسٌ بَلِيغٌ يُرْعِدُ الأَوْصَالاَ
يَبْغُونَ مِنْ أَرْضِ الشَّهَادَةِ حِكْمَةً
تُبْقِي عَلَى مَرِّ المَدَى أَمْثَالاَ
قالَتْ لَهُمْ عِنْدَ التَّسَاؤُلِ تُونُسُ
لاَ تَسْأَلُوا طُرُقَ الْهُدَى الأَنْذَالاَ
قَالَتْ لَهُمْ وَالمَجْدُ يَمْشُقُ عُودَهَا
وَالغَارُ يَعْلُو جَبِينَهَا إِقْبَالاَ
لاَ يُخْذَلِ الشَّعْبُ الكَرِيمُ إذَا رَنَتْ
نَحْوَ المَعَالِي سِبَاعُهُ أشْبَالاَ
وَيَدُومُ فِي نَحْتِ الكِيَانِ بِجَهْدِهِ
تُهْدِي العُلاَ أجْيَالُهُ الأَجْيَالاَ