الصفحة الرئيسية قصيدة النثر أحمد مليحيق يقول “سنسمع خطوات قوبلاي!!”

أحمد مليحيق يقول “سنسمع خطوات قوبلاي!!”

نثرية بعنوان "صباحات قوبلاى الهشة"

32 مشاهدات 3 دقائق اقرأ

هذا النص الشعري يتنفس بوتيرة تأملية حالمية، حيث تمتزج الذاكرة باللحظة الراهنة، وتتداخل الرموز مع الصور الحسية لتشكل فضاء شعوريًا متسعًا. يتحرك النص بين الصمت واليقظة، بين الفجر والظلال، ويستحضر رموزًا مثل “قوبلاي” والجدّة والحدائق كحاملات للوعي والحنين، فينسج تجربة شعرية تتراوح بين التأمل والدهشة، بين انتظار التغيير واستشراف المعنى. هو نص عن الصيرورة الداخلية للروح، عن الانبهار بالوجود، وعن بحث الإنسان عن وضوحه في خضم الغموض والغياب…. [نيابوليس الثقافية]

رويدا،
نحو أفول الحديد
من زغب الحرف،
رويدا،
تطلع جلبة،
تنقع ملامحنا
ببعض ليونة،
وبعض ما يذوي
من الرفات.

سينخفض النعاس
على يباس النوافذ،
وسيبسط التردد
توقعه
على لهاث الضيق.

لا نوافذ للخفوت
كي نطلع
لحظة انحياز الوردة
إلى ما بقى
من صيرورة الذهول
على غرائز فجرنا.

سينخفض النعاس،
انخفض،
فانهمرنا
إلى ضمور الضوء
على الوضوح.

تعاقب الهبوط
على سيرتنا،
ما اقتربنا
من انحدار التأقلم
مع الظل وضده،
إلى الفارق بين البياض
والتشابه.

كنا
بمحض ذات التردد
ذاهبين
إلى خفوت الوردة،
حاملين أوزار الفجر
على أكتاف البيت،
حاملين ما بقى
من أغنية
معلقة من ناصيتها
على فحمة الغيب،
ونعناع يتزاور
ناحية القلب.

لولا
أننا حمّلنا شغفنا
كل هذا الفراغ،
لا ندري
هل نجد في طريقنا
ما وعدتنا
به القيامة؟

هل نجد النجوم
قرب الفصاحة
في تحيتنا؟
هل كان علينا
قبل الخوض في خواء
الأحجية،
أن نترك ريعان
الصخب
يرعى من أكفاننا؟

أيها المشدود من لهاثك
إلى سلاسة النقيض،
في فيضك،
ألق بنحاسك
في جوف الصوت،
وأغرس في رئة
النوافذ
ثباتا.

علنا،
إذا اهتدينا إلى جذع
يفضي بالنظرات
إلى اللاشيء،
في غفلة
الكهف عن أحلامنا،
علنا
سنعبر فراسة الشمس
تنزّ من قاع الفكرة،
وسنعبر شوائب البهتة
على فوارق القفر.

سنعبر،
عبرنا من اللاجدوى
إلى ابتعاد
يلين
ويتقلص
لينضج وضوحا،
يتحسس بياضا
سيأتينا
من فحولة الجدار.

ها قد
بدأ
نهوض التوسع
من فج الربكة،
فعلى الأنفاس
أن تثبت
على غمار الصيرورة
حتى يتضح
ما فاتنا من الفجر.

كنا بلا وفرة
بانتظار اهتزاز
يشرخ المعنى،
سيفوح،
فاح الشكل
من ربوة الكتف،
ولم نر
ما اعتدنا أن نراه
من قيلولة الضحكة
في باطن الكف.

حين يتوسع الظمأ
في ربكة اللون
على مقربة من فروة
النص،
ها قد
نبتت الصدفة
من فوارق البلل،
ولم تتعرق السماء،
ولم تتعر،
فكان لا بد
للكلام
من فزاعة ليثمر
فاكهة للدليل.

وسنكون،
غالبا ما كنا
نتحسس هواجس النبض،
يبقّع
رقعة الإيقاع
في خيال خفيف
للهطول الضيق
على ريح تستظل
بطرف نبض عالقا
في تفاوت العتمة
على سؤالنا
عن مغزى الحروف
في تدفق اللاشيء.

كنا،
قبل أن تداهمنا
عواطف اليبس،
نرد التحية بأحسن منها،
ونزرع فسيلة من دمنا
على أنفاس الغموض،
حتى لو أبكرت القيامة،
ونعبأ غيوم الخريف
في جرار الذاكرة
لتخفيف وطأة الحرف
لصيف سيأتي
بعد حين.

كنا
نجفف وقع الوضوح
على صديد الغياب،
ونملّح يقظة الحرير
على سقف الأضداد،
ونمشي في الأرض مرحا،
وإذ صادفنا الليل
ونحن على تلال الروائح،
نستدل بفخار القمر
للرجوع إلى بيت
أنهكته الحروف.

كنا أيضا
ننتظر الشساعة
من سفوح القلة،
في يقظتنا
جاءنا (قوبلاي)
قادما من نعاس غامق
للطبيعة،
أربك شجرنا،
أمطر حدائقنا
بالغياب،
وبشرنا
بانفلات للظلال
في الشكل،
وبقليل من كل شيء
في سلالتنا.

فنحن وإن كنا
في تكرار يتواتر
دوما،
لطفولتنا على عشب
أرهقه الانتظار،
فلنا فطرتنا
منسدلة على عواهنها
في غفلة من سرائر الحديد.

سنسمع خطوات (قوبلاي)
قادما من فجاج
شحيحة الظن،
حاملا عتبات العتمة
بين أنامله،
وربكة لإيقاظ التجاعيد
في خيال الحلق.

سنسمع،
سمعنا نشوزه
على حمأة اللون
في صباحنا،
ولم نأبه
للصديد يعتم
ترددنا.

قد نبهتنا جدتي
حين اتكأ الفجر
على تجاعيد بصيرتها،
وفاح الشيب من ناصية
عكازها،
أن (لقوبلاي) خفوت
سينفض عن ترابنا
حكمة الصالحين،
وأن له بين اليباس
فزاعة،
وأن به ما نسيناه
من طفولتنا.

جدتي لازالت
بدقة البطء
تسدل صوتها
من فوهة في الغروب،
وتقول:
لملموا نسقكم
من الطريق،
(فقوبلاي) آت
من تيه في الحيز،
ليأخذ تحيتكم
من دهشة العشب،
ويزرع فواتا
لنوافذكم.

فأضرموا يقظتكم
حذو استدارة
للفلاة،
في فحولة الفجر.

(قوبلاي)
سيأخذ من ريحكم
سهوا
لأرضه،
وسيأخذ من فطرتكم
لغة
لشتاته.

سيأخذ،
أخذ
كل ما فينا
من زينة للأبيض
على الوضوح،
ووضوء لينتبه
أكثر لاتساعنا
على نشأة الشمس
من مفردات الرجوع.

ونحن
علونا كثيرا،
بلغنا عنان الشجر
في سردية السبات،
وأطعنا
حلمنا يحملنا حمأة
للمكان.

ما كان للجدة
أن يفوتها
صحوة الظهيرة
على الكتف،
ووفرة الضيق
في سؤالها عن وقت
الرخام
في ليلنا.

فاتها
أن تكدس ماضيها
في رئة البيت،
وفاتها أن تخبئ
فتات موسيقى
تحت وسادتها.

فاتها
أن تطوي صباحات
(قوبلاي) الهشة
كي لا يفاجئنا
ونحن ذاهبون
إلى البئر،
نملأ الحديقة
بتثاؤب الوضوح
يفوح من انتباه فالت
من شوائب الباب.

نضع مزهرية
لأنفاس الفصاحة
كي نكون أكثر
في المجال،
ونكون أقرب
من حرير ألف
نعاسنا.

جدتي أخبرتنا
بقدوم (قوبلاي)
من فج في الذاكرة،
يطلّ
أو طلّ،
لكننا أفلتنا
كلامها
يرعى في المقبرة،
وهيأنا صباحنا
(لقوبلاي)
كي يخرج تماما
من لغتنا،
ومن زفرة تأقلمت
مع شمال أرخي
يبسه.

فاقتربنا
من جهة في الريح
تطلع،
وانهمرنا.

وجدتي
مازالت تهش التجاعيد
عن صباحها
بعكاز غشاه العمى،
مازالت
توصينا أن نخبئ
الحديقة
في حلق السماء.

فاقترب
من علو سيحل
بفيض
يليق بتقعّب الحروف
على الاسم،
واقترب أكثر
من تيه الذهول
في الأقاصي.

سيبدأ،
ها قد بدأ
ضلوع الحديد
في البزوغ،
فألق بيقظتك،
يلتقطها
بعض الحرير.

واقترب،
اقترب قليلا
من وسعك،
حتى ترى الجدة
تعد عماء…

  • شاعر تونسي
    أحمد مليحيق، شاعر تونسي يتجاوز التقاليد ويشق طريقه بأسلوب قائم على الأصالة والابتكار. ديوانه الأول "يكاد يرى عماه" يضعه في خانة الكتابة الخارجة عن المألوف، تلك التي تستدعي لغات جديدة للمشاعر والتأملات. حضوره في فعاليات مثل ملتقى شعر المقاومة، ونشره في منتديات أدبية مرموقة، يبرز اندماجه في فضاء الكتابة المتجددة. قصيدته المنشورة في نيابوليس تنمّ عن شاعر لا يفقد صوته بين الحشود، بل يضمن له نبضًا شهميًا وميادين عبور إنساني.

اقرأ أيضا

أترك تعليقا