رئيسية » لطفي عبد الواحد يقول “ظاهرة في السنوات الأخيرة… غلبة النظم على الشعر لدي شعراء اليوم”
الثقافة

لطفي عبد الواحد يقول “ظاهرة في السنوات الأخيرة… غلبة النظم على الشعر لدي شعراء اليوم”

لطفي عبد الواحد يقول "ظاهرة في السنوات الأخيرة... غلبة النظم على الشعر لدي شعراء اليوم"
لطفي عبد الواحد يقول "ظاهرة في السنوات الأخيرة... غلبة النظم على الشعر لدي شعراء اليوم"

ظاهرة تستدعي الاهتمام وتجعلنا نتساءل هل مازلنا لم نتجاوز بعدُ تعريف “قدامة بن جعفر” بأنّ الشعر كلام موزون مقفّى..

ممّا لا شكّ فيه أنّ أحمد شوقي كان ناظما كبيرا للشعر ولكنّه كان شاعرا كبيرا حتى صار عن جدارة أميرا حقيقيا للشعر والشعراء في مصر وطنه والبلاد العربية في مرحلة ما من مراحل الشعر العربي المعاصر وحين أقول إنّ شوقي كان ناظما فذلك يعني أنه متمكّن من اللغة والأوزان الشعرية ومستلزمات القول ولأنّ الشعر في حد ذاته هوضرب من النظم للأسباب التي ذكرت. ولكن عند شوقي على سبيل المثال – وأمثاله كثيرون – تجاوز النظم إلى الشعر الحقيقي ولا شك أنّ من قرأ الشعر وتمرّس به يدرك جيدا أنّ ما كلّ قصيدة يقولها الشاعر أو يكتبها هي شعر وفيها من مقوّماته التي تجعلها قصيدة تصل القلوب والوجدان.. والذي دفعني إلى إثارة هذا الموضوع القديم الجديد في حقيقة الأمر ما لاحظته في السنوات الأخيرة من عودة وبصورة مكثفة إلى النظم وانشاء الشعراء قصائد ينسبونها إلى الشعر واغلبها لا تتجاوز في تقديري المتواضع النظم العادي ورصف الكلمات. ينظمونها بسرعة وينشرونها على صفحاتهم الفيسبوكية وصفحات أصدقائهم من الشعراء أو يلقونها في بعض المهرجانات في شكل يلفت الانتباه لاغير ومن الطرائف أن عثرت على بعض الصفحات شاعرا من هؤلاء بمجرّد أن يطّلع على قصيدة خاصّةً حين تكون هذه القصيدة لامرأة شاعرة ومرفقة بصورتها.. وهي اي هذه الشاعرة حرة في نشر صورتها طبعا يسارع إلى نظم قصيدة تحاكيها على نفس الوزن وحرف الرويّ ويعلن عن ذلك بلهفة تشبه لهفة المقبل على الطعام ولا يتردد في اللجوء إلى هذا الصنيع بشكل يدعو إلى التقزز والرثاء والاستهزاء.. وكثيرا ما يضع هؤلاء الشعراء قصائدهم هذه تحت عناوين صارت مألوفة مثل (الردّ على.. – معارضة مجاراة..) لكن غالبا وأستثني البعض انصافا ما نجد هذه القصائد أو المنظومات متكلّفة لا روح فيها ولا قدرة لأصحابها على النفاذ إلى روح القارئ او السامع..

وحتى لا يتصوّر البعض ممن يزعجهم هذا الرأي أو يقرأ هذا المقال أنني ضد هذا النوع من الكتابة الشعرية التي تحوّلت مع تراجع سلطة النقد وتراجع عدد النقاد إلى ظاهرة في السنوات الأخيرة أو أنني ضد شعراء يلجؤون إلى هذا الشكل من أشكال القول والكتابة أقول صراحة إنّني لست ضدّ هذا وأدرك جيّدا فن المعارضة الشعرية خاصة ودوانين الشعراء قديما وحديثا حافلة بها وأصدق شاهد على ذلك ديوان الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي الذي يزخر بالعديد من القصائد التي عارض بها كبار الشعراء القدامى واجاد فيها ومنها معارضته لقصيدة الشاعر القيرواني التونسي على الحصري.. ولا أنكر أبدا وجود معارضات أستحسنها فعلا وأشعر ببراعة أصحابها وصدقها. ولا شك أن الشاعر أحمد شوقي وأمثاله من الشعراء الكبار قد تمثّلوا جيدا القصائد التي عارضوها بشكل جيّد كان له بالغ التأثير في سمع المتقبّل ووجدانه ولا شك أيضا أنّ هذا الشاعر وهؤلاء الشعراء كانوا يبذلون وقتا في نحت معارضاتهم وينبذون الارتجال وكانوا صُنّاعا ممتازين لا متصنّعين والفرق بين الصناعة الفنية والتصنّع كبير جدا بل أنا أنبذ صراحة هذا الشكل من الكتابة حين يحوّله البعض إلى نوع من اللعب والتسلية لتزجية الوقت ويضعونه في خانة الشعر وهو أي هذا الشعر كما يقتضي الاصطلاح أن نسمّيه مجرد نظم عادي لأبيات أو قصيدة لاروح لها ولا طعم فمن المؤكد أنّ الشعر الحقيقي النافذ لا يمكن أن ينحصر في رصف الكلمات والتعويل على الوزن وحرف الرويّ بل يتجاوز هذا كله الي ضرورة توفر شروط أخرى لا غنى عنها كالتخييل وحسن التصرف في اللغة وميزة الصدق.. ليكون قادرا على ادراك نفس المتلقي ومؤثرا فيها ومثل هذا الشعر لا يمكن في تقديري المتواضع أن نجده في قصائد المدمنين على النظم وخاصة أولئك الذين تحول الشعر عندهم الي بضاعة للتسويق والي شكل كما ذكرت ذلك من أشكال تمضية الوقت وكان الأجدر بهؤلاء لو كانوا فعلا أصحاب موهبة شعرية حقيقية أن يتركوا ما يرومون قوله من شعر ينساب تلقائيا من أرواحهم دون إجهاد وبعيدا عن أشكال المجاملة وجلب المنافع ففي كثرة المعارضات الشعرية هدر لطاقة الشاعر وهنا أقول كثرة بما يعني أنني لست ضد لجوء الشاعر نفسه إلى معارضة قصيدة ما لاقت إعجابا منه وتأثر بها لكن دون أن يتحول الأمر إلى ضرب من المحاكاة والمجاملات..

في الختام أجدد القول إن الشاعر مدعوّ دائما إلى السعي لتجاوز مرحلة النظم والانحصار في دائرة الوزن حتى يرتقي إلى مرحلة الشعر المنبعث عفويا من ذاته واحساسه الصادق الشفاف إذ ليس الشعر كما قيل مجرد كلام موزون مقفّى بل هو أرقى وأسمى وأكثر فعلا في النفس والروح.

هذا رأيي في الشعر والشعراء ولا اعتبره رأيا ملزما لمن يختلف معي في الرأي والتقييم وقد عبّرت عنه من منطلق حرّيتي في إبداء وجهة نظري وموقفي وأحترم كلّ الآراء التي تتصل بهذا الموضوع وأحترم أصحابها سواء أكانوا من الشعراء أو من المهتمين بالشعر والأدب والفن عموما..

بقلم / لطفي عبد الواحد
تونس